509
البضاعة المزجاة المجلد الأول

والمراد هنا ما يتمسّك به من اُمور الدين التي هي أركانه وقوانينه، شبّهت بالعرى لأنّ المستمسك بها متسمسك بالدين، فتشبّهت به .
ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ هؤلاء المضلّين لم يكتفوا بالإيراد إلى الهوى وما عطف عليه في حال حياتهم، بل ورّثوه من بعدهم من أضرابهم، وجعلوه أصلاً وقانوناً لهم ، فقال : (ثمّ ورّثوه) أي الدين، أو الكتاب .
(في السفه والصِّبا) .
«السَّفَه» محرّكة: ضدّ الحلم، أو خفّته، أو نقيضه، أو الجهل ، وأصله الخفّة، والحركة .
و«الصِّبا» بالكسر والقصر، أو بالفتح والمدّ، من الصَّبْوة، وهي الميل إلى جهل الفتوّة . يُقال : صَبي ـ كرضي ـ صبىً بالكسر، أي فَعَل فِعل الصبيّ ، وصبا إليه ـ كغذا ـ صَبْواً وصباء بالفتح، أي حنّ قلبه إليه، واشتاق .
وقيل : كلمة «في» للتأكيد، كما في قوله تعالى : «ارْكَبُوا فِيهَا» ، ۱ أو متعلّق بالتوريث بتضمين معنى الجعل أو الوضع . ۲
وقيل : الظرف في موضع الحال، أي ورّثوه في حال السفه والصبا . ۳
(فالاُمّة يصدرون) بضمّ الدال، أي يرجعون (عن أمر الناس) .
قال بعض الشارحين :
المراد بالاُمّة التابعة، وبالناس المخالفون ؛ أي يرجعون عن أمرهم مع كدرة مشربهم .
(بعد أمر اللّه تبارك وتعالى) بولاية أمير المؤمنين عليه السلام (وعليه يردّون) ؛ من الردّ، أي على اللّه يردّون أمره، ولا يأخذون أمر الناس ، والظاهر أنّ الواو للحال ، انتهى كلامه . ۴
وقال بعض الأفاضل :
معنى قوله : «أمر اللّه » بعد الاطّلاع عليه، أو بعد صدور أمره تعالى أو تركه . وقال : والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول . انتهى . ۵
ويظهر منه أنّ «يَرِدُون» من الورود .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۳ .

2.هود(۱۱): ۴۱.

3.اُنظر: مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۱۶ .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۴ .

5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۱۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
508

(يُعجبهم حفظهم للرواية)؛ لظنّهم انحصار العلم به، ولا يبالون بتركهم للرعاية .
(والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية) .
لعلّ المراد بالحزن بترك الرعاية شدّة الاهتمام فيها . وقيل : الحزن بتركها على ما ينبغي، فكم من فرق بين الجاهل والعالم ، حيث إنّ الجاهل مع كمال جهله وقصوره في العلم والعمل يعجبه ما ليس بعلم ولا عمل في الواقع ، والعالم مع كمال علمه وعمله وروايته ودرايته ورعايته محزون خوفاً من التقصير فيها . ۱
(وكان من نبذهم الكتاب أن ولّوا ۲ ) أي جعلوا والي الكتاب والقيّم عليه والحاكم به .
(الذين لا يعلمون) أي معالم الدين، على حذف المفعول، أو ليس لهم حقيقة العلم على إجرائه مجرى اللازم .
وفي بعض النسخ: «ولّوه» بالضمير، وهو راجع إلى الكتاب، أو أمر الدين ، أو الخلافة المفهومين من السياق ، وبالجملة جعلوا توليته إلى الجهّال، وجعلوهم ولاة ورؤساء على أنفسهم يتّبعونهم في الفتاوى وغيرها ، وأعرضوا عن أهل الذِّكر والعلم، ونبذوا قوله تعالى : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»۳ وراء ظهورهم؛ لأنّهم لا يعلمون .
(فأوردوهم الهوى) أي أحضر هؤلاء الجهّال تابعيهم إلى ما يحكم به أهواؤهم النفسانيّة من العقائد الفاسدة والأعمال الكاسدة .
ولعلّ الهوى إرادة النفس، وشاع استعماله في ميل النفس إلى مشتهياتها المخرجة عن الحدود الشرعيّة بل العقليّة أيضاً .
(وأصدروهم إلى الرَّدى) يُقال : صدر عن الشيء يُصدُر صَدراً، إذا رجع. وأصدره، أي أرجعه .
والرَّدى: الهلاك، وأصلها السقوط والكسر، يقال: رَدى في البئر ـ كرمى ـ إذا سقط فيها .
(وغيّروا عُرى الدِّين) .
العُرى، بالضمّ: جمع العروة، وهي من الدلو والكوز: المقبض، ومن الثوب: اُخت زرة .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۳ .

2.في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ولّوه» مع الضمير.

3.الزمر(۳۹): ۹.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109966
صفحه از 630
پرینت  ارسال به