513
البضاعة المزجاة المجلد الأول

والظاهر أنّ «ساروا» من السَّير، وكونه من «السَّور» بمعنى الحملة والوثوب بعيد. وكذا ما قيل: إنّه من السيرة ـ بالكسر ـ بمعنى السنّة والطريقة والهيئة؛ لأنّ اشتقاق الفعل منها غير معروف .
«فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» أي بطل بسبب التحريف والكتمان الموجبين لكفرهم جميع أعمالهم واجتهاداتهم، فلا ربح لهم فيها في الآخرة .
قال البيضاوي في قوله تعالى : «أُوْلئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» : ۱
إنّه ترشيح للمجاز لمّا استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم. والتجارة: طلب الربح بالبيع والشراء . والربح: الفضل على رأس المال ، وإسناده إلى التجارة ـ وهو لأربابها ـ على الاتّساع لتلبّسها بالفاعل، أو لمشابهتها إيّاه من حيث إنّها سبب الربح والخسران .
«وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» لطرق التجارة ؛ فإنّ المقصود منها سلامة رأس المال والربح ، وهؤلاء قد أضاعوا الطَّلَبتين؛ لأنّ رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف، فلمّا اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم، واختلّ عقلهم، ولم يبق لهم رأس مال يتوسّلون به إلى درك الحقّ ونيل الكمال ، فبقوا خاسرين، آيسين من الربح، فاقدين للأصل . ۲
ولمّا وصف عليه السلام الأحبار والرهبان المتشبّهين بهم ، شرع في وصف أشباههم من هذه الاُمّة، فقال : (ثمّ اعرف أشباههم) أي أشباه الأحبار والرهبان من هذه الاُمّة .
وقوله : (الذين أقاموا ...) خبر مبتدأ محذوف .
وقوله : (فهم مع السادة والكبرة) .
السادة: جمع سيّد . قال الجوهري في (سَ وَدَ): «تقديره: فعلة، بالتحريك» . ۳
وقال الفيروزآبادي : «هو كُبرهم ـ بالضمّ ـ وكِبرتُهم، بالكسر: أكبرُهُم، أو أقعدهم بالنسبة» . ۴

1.البقرة(۲): ۱۶.

2.تفسير البيضاوي ، ج ۱ ، ص ۱۸۳ ـ ۱۸۵ (مع تلخيص) .

3.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۹۰ (سود) .

4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۲۴ (كبر) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
512

الْأَلْبَابِ» 1 : عِبرة لهم» . 2
وقوله : (ثمّ يعصي اللّه ) أي يترك الأولى والأفضل ، وإطلاق العصيان عليه مجاز؛ لكونه بالنسبة إلى درجة كمالهم بمنزلة العصيان.
(فيخرج به من الجنّة) كآدم عليه السلام (ويُنبذُ به) أي يُلقى (في بطن الحوت) كيونس عليه السلام 3 . ولعلّ عصيانه غضبه على قومه، وخروجه من بينهم، وإباقه منهم بغير إذن ربّه .
(ثمّ لا يُنَجّيه إلّا الاعتراف والتوبة) كقول آدم عليه السلام : «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا» ، 4 وكقول يونس عليه السلام : «لَا إِلهَ إِلَا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ» . 5
وقيل : فيه حثّ بليغ لأرباب الذنوب على الاستغفار والتوبة والاعتراف بالتقصير، وتحذير شديد لأصحاب المعاصي في العقائد والأعمال من غير بنائهما على علم ويقين؛ فإنّ من تصوّر ما جرى على آدم ويونس عليهماالسلام بالزلّة الواحدة والمعصية الصغيرة التي هي خلاف الاُولى بالنسبة إلى الأنبياء، يكون على وَجَل شديد من المعاصي العظيمة، سيّما إذا تعاقبت وتكاثرت، ويحكم بأنّها سبب تامّ للمنع عن دخول الجنّة، فكيف يطمع دخولها مع بقائه على المعاصي، وعدم تداركه بالتوبة ؟! 6
(فاعرف أشباه الأحبار والرهبان) أي الذين يتشبّهون بعلماء الاُمم السابقة وزهّادهم وعبّادهم صورةً، وليسوا منهم، بل ماتوا ضالّين مضلّين، أو أشباه الأحبار والرهبان الذين ذمّهم اللّه في كتابه حيث أظهروا البدع، وسعوا في تشييد قوانينها، وكتموا الكتاب والسنّة، واجتهدوا في تخريب أحكامها ومبانيها، وفسّروا الكتاب بآرائهم، وأوّلوه بأهوائهم، وشروا الدُّنيا بالآخرة، وأكلوا السحت وأموال الناس بالباطل، وصدّوهم عن سبيل اللّه .
(الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه) صفة للأحبار والرهبان؛ أي بإخفاء ما في التوراة والإنجيل من الأحكام التي لا تهوى أنفسهم ، ونعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

1.ص(۳۸): ۴۳؛ غافر(۴۰): ۵۴.

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۵ (ذكر) .

3.في الحاشية: «قال الفاضل الكاشي : أشار بالنبيّ من الأنبياء عليهم السلام إلى يونس، على نبيّنا وعليه السلام. ثمّ قال : وأمّا إطلاقه الجنّة على الدنيا فلعلّ الوجه فيه أنّها بالإضافة إلى بطن الحوت جنّة من أكل منه ، فتأمّل ». الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۹۳ .

4.الأعراف(۷): ۲۳.

5.الأنبياء(۲۱): ۸۷.

6.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۴ و۳۵۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109841
صفحه از 630
پرینت  ارسال به