والظاهر أنّ «ساروا» من السَّير، وكونه من «السَّور» بمعنى الحملة والوثوب بعيد. وكذا ما قيل: إنّه من السيرة ـ بالكسر ـ بمعنى السنّة والطريقة والهيئة؛ لأنّ اشتقاق الفعل منها غير معروف .
«فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» أي بطل بسبب التحريف والكتمان الموجبين لكفرهم جميع أعمالهم واجتهاداتهم، فلا ربح لهم فيها في الآخرة .
قال البيضاوي في قوله تعالى : «أُوْلئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» : ۱
إنّه ترشيح للمجاز لمّا استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم. والتجارة: طلب الربح بالبيع والشراء . والربح: الفضل على رأس المال ، وإسناده إلى التجارة ـ وهو لأربابها ـ على الاتّساع لتلبّسها بالفاعل، أو لمشابهتها إيّاه من حيث إنّها سبب الربح والخسران .
«وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» لطرق التجارة ؛ فإنّ المقصود منها سلامة رأس المال والربح ، وهؤلاء قد أضاعوا الطَّلَبتين؛ لأنّ رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف، فلمّا اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم، واختلّ عقلهم، ولم يبق لهم رأس مال يتوسّلون به إلى درك الحقّ ونيل الكمال ، فبقوا خاسرين، آيسين من الربح، فاقدين للأصل . ۲
ولمّا وصف عليه السلام الأحبار والرهبان المتشبّهين بهم ، شرع في وصف أشباههم من هذه الاُمّة، فقال : (ثمّ اعرف أشباههم) أي أشباه الأحبار والرهبان من هذه الاُمّة .
وقوله : (الذين أقاموا ...) خبر مبتدأ محذوف .
وقوله : (فهم مع السادة والكبرة) .
السادة: جمع سيّد . قال الجوهري في (سَ وَدَ): «تقديره: فعلة، بالتحريك» . ۳
وقال الفيروزآبادي : «هو كُبرهم ـ بالضمّ ـ وكِبرتُهم، بالكسر: أكبرُهُم، أو أقعدهم بالنسبة» . ۴
1.البقرة(۲): ۱۶.
2.تفسير البيضاوي ، ج ۱ ، ص ۱۸۳ ـ ۱۸۵ (مع تلخيص) .
3.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۹۰ (سود) .
4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۲۴ (كبر) .