521
البضاعة المزجاة المجلد الأول

من كلامه عليه السلام ؛ أي لا يدرون هؤلاء المتحيّرون الحقّ ما هو بين هذا الاختلاف الذي اعترفوا بكونه مبتدعاً .
الثاني : أن يكون «هذا» إشارة إلى ما ابتدعه المخالفون كخلافة الأوّل مثلاً ؛ أي يقولون: لم يحدث هذه الاُمور في عهد ۱ الرسول، وإنّما ابتدعت بعده، وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يقرأ «صدقوا» بالتخفيف كما مرّ، وبالتشديد أيضاً ، وعلى الثاني فقوله : «تركهم» إمّا مصدر مفعول للتصديق، أي صدّقوا أنّ الرسول تركهم على الأمر الواضح ، وإمّا فعلٌ، أي مع اعترافهم بكون هذه الاُمور بدعة صدّقوا بها تصديقاً مشوباً بالشكّ، فيكون قوله: «تركهم» كلامه عليه السلام للردّ عليهم .
الثالث : أن يكون «هذا» إشارة إلى مذهب أهل الحقّ، أي سبب عدم إطاعتهم الحقّ هو أنّهم يقولون: إنّ الناس في الزمن السابق كان أكثرهم على خلاف هذا الرأي، ولا يدرون حقّيّته، فنحن تبعٌ لهم كما قال الكفّار : «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ» ، ۲ و«صدقوا» بالتشديد، و«تركهم» على صيغة المصدر، فهذا ردّ عليهم بأنّهم يصدّقون بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوضح لهم السبيل، وأقام لهم الخليفة ، ومع ذلك يتّبعون أسلافهم في الضلالة، أو بيان لأحد طرفي شكّهم وأحد سببي تحيّرهم .
الرابع : أن يكون «هذا» إشارة إلى خليفتهم الباطل، وبدعهم الفاسدة، ويكون الكلام مسوقاً على الاستفهام الإنكاري ؛ أي إنّ الناس هل كانوا لا يعرفون حقّيّة هذه الخليفة، وكانوا ينصبونه ، وقوله عليه السلام : «وصدقوا» يكون ردّاً عليهم ، انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه . ۳
وأقول : الظاهر أنّ قوله عليه السلام : (تركهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) بصيغة الفعل من باب الاستئناف، إشارة إلى علّة صدقهم، وإلى سبب الاختلاف بعده صلى الله عليه و آله ، وضمير الجمع للاُمّة؛ أي تركهم حين وفاته، أو في حال حياته مطلقاً .
(على البيضاء) أي على الملّة، أو الشريعة، أو السنّة، أو الطريقة البيضاء البيّنة الواضحة.
(ليلها) متميّزاً (من نهارها) أي باطلها من حقّها .
وقيل : مجهولها أو جاهلها من معلومها ، أو عالمها . ۴ وقيل : يحتمل أن يُراد بالنهار ظاهر

1.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۹۴ .

2.في الحاشية: «عصر».

3.الزخرف(۴۳): ۲۳.

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۱۹ و۱۲۰ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
520

فيوردونهم في المهلكات والوهدات الدنيويّة والاُخرويّة .
(وآخرون منهم) أي من الجهّال .
(جلوس بين الضلالة والهدى) إشارة إلى قسم ثالث منهم غير المتبوعين والتابعين، وهم المتردّدون بين الباطل وأهله وبين الحقّ وأهله .
(لا يعرفون إحدى الطائفتين) ؛ يعني أهل الضلالة وأهل الهدى . (من الاُخرى) ولا يميّزون بينهما، فهم من «مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلَاءِ وَلَا إِلى هؤُلَاءِ» . ۱
(يقولون ما كان الناس) في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعهده (يعرفون هذا) أي الاختلاف الذي حدث بين الاُمّة في اُمور الدين (ولا يَدرون ما هو) ؛ لأنّه لم يكن فيهم .
قيل : الظاهر أنّه عطف على «يقولون»؛ أي ولا يدري الآخرون الجالسون ما هذا الاختلاف، ولا أيّ شيء سببه ، والعطف على «يعرفون» محتمل . ۲
وأقول : أنت خبير بأنّ الحال على عكس ما قال .
(وصَدَّقوا) ؛ يعني أنّهم صادقون في هذا القول الذي هو نفى الاختلاف بين الاُمّة في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله .
قيل: هذا الصنف هو الصنف الثالث فيما روي من أنّ عليّاً عليه السلام باب اللّه ، من دخل فيه فهو مؤمن، ومَن خرج عنه فهو كافر، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج عنه فهو مستضعف في مشيّة اللّه تعالى . ۳
وقال بعض الأفاضل الأعلام :
قوله عليه السلام : «يقولون ما كان الناس يعرفون هذا» إلى آخره ، يحتمل وجوهاً :
الأوّل : أن يكون «هذا» إشارة إلى الاختلاف الذي حدث بين الاُمّة ؛ أي لم يكن هذا الاختلاف بين الاُمّة في زمن الرسول صلى الله عليه و آله ، وما كان الناس يدرونه، وإنّما حدث هذا بعده، فيعرفون أنّ هذا الاختلاف ليس بحقّ، لكن لا يعرفون الحقّ من بينهما، فتحيّروا، فيكون قوله : «وصدقوا» بالتخفيف من كلامه عليه السلام غير محكيّ عنهم، بل تصديقاً لهم فيما قالوا من أنّ الاختلاف مبتدع . ويحتمل أن يكون «ولا يدرون» أيضاً

1.النساء(۴): ۱۴۳.

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۸ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۵۸ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109654
صفحه از 630
پرینت  ارسال به