529
البضاعة المزجاة المجلد الأول

فكتب عليه السلام إليه تسلية له ورفعاً لاستبعاده وشكايته. ۱
قوله: (تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه)؛ كأنّ المراد به أمر الولاية، ويحتمل الأعمّ.
وقيل: يستفاد من هذا الكلام أنّ سعداً كتب إليه، وذكر في كتابه أنّه عرف كذا، وأنّه قبل منه لنفسه كذا، وأنّه تعجّب من كذا بأن يكون إلى قوله: «من جيفة الحمار» من كلام سعد.
قال: ويحتمل أن يكون «تعجّب» من كلام الإمام عليه السلام . ۲
(وطاعة من رضا اللّه رضاه) .
المراد بالموصول إمام العدل، و«رضى» بصيغة الفعل، و«رضاه» مفعوله، أو بصيغة المصدر المضاف إلى الفاعل، و«رضاه» خبره، وعلى التقديرين المراد أنّ رضاه ـ تعالى تقدّس ـ منوط برضاه.
(فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مُرتهنة) .
في القاموس: «الرهن: ما وضع عندك لينوب مناب ما اُخذ منك، وكلّ ما احتبس به. وارتهن منه: أخذه» ۳ انتهى.
وقيل: «مرتهنة» بفتح الهاء، أي مرهونة، والأنفس مرهونة عند اللّه بما للّه عليها من الحقوق، فإذا عمل ما يجب عليه، وترك ما نهى عنه، فقد فكّ رهانها، وإلّا فيؤخذ منها بتعذيبها، كما أنّ صاحب الدين يأخذ من الرهن حقّه، كما قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَا أَصْحَابَ الْيَمِينِ» ؛ ۴
فإنّهم فكّوا رهانها. وقرأ بعض الشارحين: «فقلت» من القول، وقال: «قلت» على صيغة الخطاب، والتكلّم محتمل، و«من» للتعليل، و«ذلك» إشارة إلى ترك الاُمّة ولاية الحقّ وقلّة أهلها، وهو إمّا مذكور في كتاب سعد، أو مفهوم من سياقه، والموصول عبارة عمّا خطر في نفسه، وهو التأسّف والتألّم، والتأمّل في سرّ ذلك وسببه، حتّى صارت نفسه مرتهنة به لا تتخلّص إلّا بزواله . انتهى كلامه وهو كما ترى . ۵
(لو تركته تَعجب) . «لو» للتمنّي، أو للشرط ، والجملة خبر ثان ل «كانت»، أو حال من

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۶۱ .

2.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۹۶ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۳۰ (رهن) .

4.المدّثّر(۷۴): ۳۸ و۳۹.

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۶۲ . وانظر أيضاً: مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۳ .)


البضاعة المزجاة المجلد الأول
528

متن الحديث السابع عشر (رسالة أيضاً منه عليه السلام إليه)

۰.مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ:كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى سَعْدٍ الْخَيْرِ:
«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَعْرِفَةَ مَا لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ، وَطَاعَةَ مَنْ رِضَا اللّهِ رِضَاهُ، فَقَبِلْتَ ۱ مِنْ ذلِكَ لِنَفْسِكَ مَا كَانَتْ نَفْسُكَ مُرْتَهَنَةً، لَوْ تَرَكْتَهُ تَعْجَبُ أَنَّ رِضَا اللّهِ وَطَاعَتَهُ وَنَصِيحَتَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَا تُوجَدُ، وَلَا تُعْرَفُ إِلَا فِي عِبَادٍ غُرَبَاءَ أَخْلَاءً مِنَ النَّاسِ قَدِ اتَّخَذَهُمُ النَّاسُ سِخْرِيّاً لِمَا يَرْمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَكَانَ يُقَالُ: لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتّى يَكُونَ أَبْغَضَ إِلَى النَّاسِ مِنْ جِيفَةِ الْحِمَارِ، وَلَوْ لَا أَنْ يُصِيبَكَ مِنَ الْبَلَاءِ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنَا، فَتَجْعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ، وَأُعِيذُكَ بِاللّهِ وَإِيَّانَا مِنْ ذلِكَ، لَقَرُبْتَ عَلى بُعْدِ مَنْزِلَتِكَ.
وَاعْلَمْ ـ رَحِمَكَ اللّهُ ـ أَنَّهُ لَا تُنَالُ ۲ مَحَبَّةُ اللّهِ إِلَا بِبُغْضِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا وَلَايَتُهُ إِلَا بِمُعَادَاتِهِمْ، وَفَوْتُ ذلِكَ قَلِيلٌ يَسِيرٌ لِدَرْكِ ذلِكَ مِنَ اللّهِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
يَا أَخِي، إِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ جَعَلَ فِي كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدى، وَيَصْبِرُونَ مَعَهُمْ عَلَى الْأَذى، يُجِيبُونَ دَاعِيَ اللّهِ، وَيَدْعُونَ إِلَى اللّهِ، فَأَبْصِرْهُمْ ـ رَحِمَكَ اللّهُ ـ فَإِنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ، وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَضِيعَةٌ إِنَّهُمْ يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللّهِ الْمَوْتى، وَيُبَصِّرُونَ ۳ بِنُورِ اللّهِ مِنَ الْعَمى، كَمْ مِنْ قَتِيلٍ لإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ تَائِهٍ ضَالٍّ قَدْ هَدَوْهُ، يَبْذُلُونَ دِمَاءَهُمْ دُونَ هَلَكَةِ الْعِبَادِ، مَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى الْعِبَادِ، وَأَقْبَحَ آثَارَ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ».

شرح

السند صحيح على قول.
قيل: كان منشأ كتابة هذه الرسالة أنّ سعداً كتب إليه عليه السلام كتاباً مشتملاً على ذكر الولاية وطاعة أهلها، وخفاء الحقّ وقلّة أهله، وظهور الباطل وكثرة أهله، وشكى إليه من ذلك،

1.في الطبعة القديمة وشرح المازندراني: «فقلت».

2.في الحاشية عن بعض النسخ: «أن لا تنال ـ أنّك لا تنال». وفي بعض نسخ الكافي: «أنّا لا ننال».

3.في الطبعة القديمة: «و يبصّرنّ».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108992
صفحه از 630
پرینت  ارسال به