531
البضاعة المزجاة المجلد الأول

(إلّا في عباد غرباء) ؛ جمع غريب، وهو من فارق بلده .
وقيل : من فارق أهله، أو فارقوه ، فكلّ مؤمن لم يجد مؤمناً في منزل الإيمان وفارقه الناس ومالوا إلى الكفر والعصيان، فهو غريب في دار الغربة، وهي الدنيا؛ لأنّه من أهل أعلى علّيّين، وهم عليهم السلام كانوا كذلك لمفارقة الناس عنهم، وخروجهم عن مسكن الإسلام وموطن الإيمان، ونقلهم من رياض الجنان إلى دار الهموم والأحزان .
(أخلاء من الناس) .
الأخلاء: جمع الخِلو ـ بالكسر ـ كالأطفال والطفل، وهو الفارغ، أو البريء، أو المنفرد؛ أي هم أخلاء منفردون، أو بُرآء من معاشرة عامّة الناس ومخالطتهم إلّا لضرورة ، وعن أخلاقهم وأطوارهم المذمومة الباطلة .
وقيل : الأخلاء: جمع خليّ، كالأشراف جمع «شريف» ، والمراد به الفارغ من الناس والمعتزل من شرارهم . ۱
(قد اتّخذهم الناس سِخريّاً) أي هزواً، ويسخرون منهم؛ لأنّهم يعدّون معروفهم منكراً، أو يقهرونهم، ويكلّفونهم ممّا لا يطيقون ، ولم يجمع السخريّ لكونه في الأصل مصدراً أو اسم مصدر .
قال الفيروزآبادي : «سخر منه وبه ـ كفرح ـ سخْراً: اُهزئ، كاستسخر، والاسم: السُّخريّة والسُّخريّ، ويكسر، وسخره ـ كمنعه ـ سخريّاً، بالكسر ويضمّ: كلّفه ما لا يريد، وقهره» . ۲
وقال البيضاوي :
السخريّ ـ بالضمّ والكسر ـ مصدر سخر، زيدت فيهما ياء النسبة للمبالغة ، وعند الكوفيّين المكسور بمعنى الهزء، والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبوديّة . ۳
(لما يَرمونهم به من المنكرات) أي لأجل ما يقذفهم الناس، ويتّهمونهم به من المنكرات التي هم بُرآء منها، أو لزعمهم أنّ ما فعلوا من الخيرات وعملوا من الصالحات منكرات .
وقيل : يحتمل حمل المنكر على الاُمور الشاقّة الشديدة من الأقوال وغيرها . ۴ وقيل :

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۶۲ .

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۴۶ (سخر) .

3.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۱۷۰ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
530

النفس ، والفعلان على صيغة المؤنّث الغائبة، والمستتر فيها راجع إلى النفس ، والضمير البارز للموصول ، ويحتمل كون أحدهما على صيغة المؤنّث، والآخر على صيغة المخاطب، أو كلاهما على صيغة الخطاب .
و«تعجب» إمّا من التعجّب بحذف إحدى التاءين، أو من العجيب وهو الأمر الذي يتعجّب منه ، فكأنّه كان تعجّب في نفسه، أو أظهر تعجّبه في رسالته . أو من العجب ـ محرّكة ـ وهو إنكار ما يرد عليك ، ولعلّ وجه كونه مورداً للتعجّب رسوخه في النفس بحيث يعسر إزالته .
وقال بعض الشارحين في شرح هذا الكلام : «أي لو تركت ما خطر في نفسك تعجب وتسرّ منه؛ لأنّ ذلك الخاطر يوجب الحزن الشديد للمؤمن بلا منفعة، وكلّ ما كان كذلك فتركه أولى وأعجب» انتهى . ۱
وفي بعض النسخ: «فعجب». قيل : معناه كون رضا اللّه وطاعته منحصرة في هؤلاء القوم الذين يستحقرهم الناس محلّ للتعجّب، يستبعده الناس وتأبى عنه أوهامهم وعقولهم الفاسدة التي ألِفَتْ بالدنيا وزينتها . ۲
وفي بعضها: «بعُجبٍ» بضمّ العين، بمعنى الزهو والكِبر، وكأنّه متعلّق بالترك ؛ أي إن تركته بسبب الإعجاب بالنفس والتكبّر عن قبول الحقّ وطاعة أهله .
وقوله : (أنّ رضا اللّه وطاعته ...) إشارة إلى قلّة أهل الحقّ، وكونهم مستضعفين عند الناس؛ لميل أكثرهم إلى الباطل .
وقوله : (ونصيحته) مضاف إلى الفاعل، أو المفعول؛ أي نصيحة اللّه لخلقه بدعائه إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة ، أو نصيحتهم للّه بالإيمان به، وإطاعة من أمر بإطاعته، والقيام بوظائف طاعته وشكر نعمته .
ويحتمل أن يُراد بنصيحة اللّه ما يعمّ نصيحة عامّة الناس بمعرفة حقوقهم، وإرشادهم إلى مراشدهم ومصالحهم ، والنصيحة اسم من النُّصح ـ بالضمّ ـ وهو الخلوص وعدم الغشّ .
(لا تُقبل ولا توجد ولا تعرف) .
النشر على ترتيب اللفّ، أو مشوّش، أو الكلّ لكلّ واحد .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۶۲ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۳ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109119
صفحه از 630
پرینت  ارسال به