533
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وإلّا لم يستقم المعنى ، فيستفاد من مضمون الشرطيّة أنّ إصابة البلاء بالنسبة إلى المؤمن الراسخ الإيمان الخائف من عذاب اللّه ـ لا من فتنة الناس وأذاهم ـ سبب وموجب تامّ لقرب المنزلة .
والظاهر أنّ قوله : «لقربت» بتخفيف الراء على صيغة الخطاب، أي لدنوت بما اُلقي إليك من الحقّ، وبقبوله مع غاية بُعدك عنه .
وقيل : يحتمل أن يكون بتشديد الراء على صيغة المتكلّم المعلوم، أي لجعلتك قريباً من الحقّ مع غاية بُعدك عنه، أو على صيغة المخاطب المجهول، أو بتخفيف الراء على صيغة المتكلّم ؛ أي لقربت إليك ببيان الحقّ والتصريح به . ۱
وقوله : (أنّه لا تُنال محبّة اللّه ) ؛ في بعض النسخ: «إنّك لا تنال» ، وفي بعضها: «أن لا تنال» .
(إلّا ببغض كثير من الناس) .
البغض، بالضمّ: ضدّ المحبّة، وإنّما يكونان بالقلب .
(ولا ولايتَهُ إلّا بمعاداتهم) .
الولاية، بالفتح: إظهار المحبّة والصداقة ، والمعاداة خلافه ، والظاهر أنّ إضافة البغض والمعاداة إلى المفعول ، ويحتمل بعيداً إضافتهما إلى الفاعل .
(وفوت ذلك قليلٌ يسير) .
كأنّ «ذلك» إشارة إلى حبّ الناس وولايتهم المفهومين ضمناً . وقيل : إشارة إلى بُغض الناس ومعاداتهم، أي ما يفوتك بسبب معاداة الناس قليل حقير بالنظر إلى ما تدركه من المنافع الاُخرويّة . ۲
وقيل : أي زوال بغضهم وعداوتهم بسبب محبّتهم لنيل الدنيا، أو السبق والتبادر إليهما، من قولهم: فاتني فلان بكذا، أي سبقني به . ۳
(لدرك ذلك) أي المحبّة والولاية (من اللّه ).
واللام تعليل للفوت، أو للقلّة والحقارة . وفي القاموس: «الدَرَك، محرّكة: اللِّحاق ،

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۴ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۴ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۶۳ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
532

يحتمل أن يكون ضمير الفاعل راجعاً إلى العباد المحقّين، أي إنّما يتّخذ الناس هؤلاء العباد سخريّاً؛ لأنّهم ينسبونهم إلى المنكرات، أي يبيّنون أنّ ما هم عليه من العقائد والأعمال منكر مبتدع، وينهونهم عنه. ۱
(وكان يُقال) ؛ كان قائله رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو أحد من الأئمّة عليهم السلام ، وهذا ردّ للعجب والاستبعاد ممّا ذكر: (لا يكون المؤمن مؤمناً) كامل الإيمان (حتّى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار) ، ووجه ذلك بأنّ المؤمن قليل، والجاهل كثير؛ لقلّة العلم وغلبة الجهل ، وبين العلم والجهل والعالم والجاهل تضادّ وتعاند ، فالجاهلون المذمومون بلسان الكتاب والرسول يذمّون المؤمن العالم، ويبغضونه لترويج جهلهم وإخفاء فضله وشرفه، وكلّ من علمه أكثر وأتمّ كان بغضه في قلوبهم أكمل وأعظم .
(ولو لا أن يصيبك البلاء) . لعلّ المراد به الفتنة والبليّة الواردة من قبل الناس، وأذاهم وتحقيرهم واستهزاؤهم .
ويحتمل ما يعمّ ذلك والوارد من قبل اللّه ، والأوّل أنسب بقوله : (فتجعل فتنة الناس كعذاب اللّه ) ؛ الفاء فصيحة أو عاطفة ، والجملة معطوفة على «يصيبك»، وهو تضمين لمضمون الآية ؛ أعني قوله تعالى : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ» . ۲ قال بعض المفسّرين : أي فإذا اُوذي بأن عذّبه الكفرة على الإيمان، «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» ، أي ما يصيبهم من أذيّتهم في الصرف عن الإيمان «كَعَذَابِ اللّهِ» في الصرف عن الكفر . انتهى . ۳
والحاصل : أنّه يختار عذاب اللّه بالرجوع عن الحقّ والإيمان ليتخلّص من عذابهم وإضرارهم .
وقوله : (واُعيذك باللّه وإيّانا من ذلك) جملة معترضة دعائيّة، وذلك إشارة إلى الجعل المذكور .
وقوله : (لَقَرُبَت على بُعد منزلتك) جواب «لولا»، وهي لامتناع الثاني ـ أعني قرب المنزلة ـ لوجود الأوّل، أعني مجموع إصابة البلاء، وجعل فتنة الناس كعذاب اللّه ، لا كلّ واحد منهما،

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۳ .

2.العنكبوت(۲۹): ۱۰.

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109025
صفحه از 630
پرینت  ارسال به