539
البضاعة المزجاة المجلد الأول

لِلسَّاعَةِ» ؛ لأنّ حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دونها ، أو لأنّ إحياء الموتى يدلّ على قدرة اللّه تعالى، «وَاتَّبِعُونِ» : واتّبعوا هداي، أو شرعي، أو رسولي .
وقيل : هو قول الرسول اُمِرَ أن يقول: «هذَا» الذي أدعوكم إليه «صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» 1 لا يضلّ سالكه . انتهى . 2
وأقول : على تفسيره عليه السلام ضارب المثل ومبيّنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا ابن الزبعرى أو غيره ، والضمير في قوله تعالى : «هو» راجع إلى عليّ عليه السلام ، وإرجاعه على هذا التفسير إلى محمّد صلى الله عليه و آله لا يخلو عن تكلّف، وفيه إشعار بكون الأعرابيّين باقيين على كفرهم الأصلي ، وكذا الضمير في قوله : «إِنْ هُوَ إِلَا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا» ، والمراد بالإنعام هي الإمامة والخلافة وما يتبعهما من الكمالات المختصّة فيه عليه السلام .
«وَجَعَلْنَاهُ» ؛ يعني عليّاً عليه السلام «مَثَلاً» : أمرا عجيباً غريباً «لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» ؛ قيل : أي شبيهاً ببني إسرائيل، وهو عيسى عليه السلام ، ولا يبعد أن يراد بهم قريش؛ لكونهم من بني إسماعيل، فتأمّل ، أو بني إسرائيل زمانه عليه السلام .
وقوله : «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ» أي من بني هاشم «مَلَائِكَةً» ؛ قيل : أي أئمّة كالملائكة في التقدّس والطهارة والعصمة .
«فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» أي يكونون خلفاء في الأرض .
ولعلّ كلمة «لو» استعمل على هذا التفسير مقام «إذا»؛ أي متى تعلّقت مشيّتنا وأردنا نجعل في الأرض منهم خلفاء ، انتهى . 3
وقيل : أي يخلفونكم في الأرض، وإذا قدرنا على ذلك فكيف لا نقدر على أن نجعل واحداً من البشر في الفضل والكمال بحيث يستحقّ خلافتكم؟! وبذلك أبطل إنكارهم لفضله عليه السلام . 4
وأقول : يؤيّد هذا التفسير الذي ذكره عليه السلام ما رواه عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن وكيع، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن أبي الأعزّ، عن سلمان الفارسي، قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس في أصحابه إذ قال : «إنّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى ابن

1.الزخرف(۴۳): ۵۷ ـ ۶۱.

2.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۱۵۰ و۱۵۱ (مع التلخيص) .

3.راجع: مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۷ .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۶۵ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
538

قال البيضاوي :
أي ضربه ابن الزبعرى لمّا جادل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ» 1 أو غيره، بأن قال: النصارى أهل كتاب، وهم يعبدون عيسى، ويزعمون أنّه ابن اللّه ، والملائكة أولى بذلك، أو على قوله : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا» ، 2 أو أنّ محمّداً يريد أن نعبده كما عُبِدَ المسيح .
«إِذَا قَوْمُكَ» : قريش «مِنْهُ» : من هذا المثل .
«يَصِدُّونَ» : يضجّون فَرَحاً؛ لظنّهم أنّ الرسول صار مُلزَماً . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضمّ من الصدود 3 ؛ أي يصدّون عن الحقّ ويعرضون عنه . وقيل : هما لغتان نحو يعكِفُ ويعكُف .
«وَقَالُوا أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ» أي آلهتنا خيرٌ عندك أم عيسى ، فإن يكن في النار فلتكن آلهتنا معه ، أو آلهتنا الملائكة خيرٌ أم عيسى، فإذا جاز أن يُعبد ويكون ابن اللّه كانت آلهتنا أولى بذلك، أو آلهتنا خيرٌ أم محمّد، فنعبده ونَدَع آلهتنا .
«مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً» ما ضربوا هذا المثل إلّا لأجل الجدل والخصومة، لا لتمييز الحقّ من الباطل .
«بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» شِداد الخصومة، حِراص على اللجاج .
«إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ» بالنبوّة «وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» : أمراً عجيباً، كالمثل السائر لبني إسرائيل، وهو كالجواب المُزيح لتلك الشبهة .
«وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ» : لَولّدْنا منكم يا رجال كما ولّدنا عيسى من غير أب، أو لجعلنا بدلكم .
«مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» : ملائكة يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أنّ حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة، فإنّه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك، وأنّ الملائكة مثلكم من حيث إنّها ذوات ممكنة، يحتمل خلقها توليداً كما جاز خلقها إبداعاً، فمن أين لهم استحقاق الاُلوهيّة 4 والانتساب إلى اللّه سبحانه ، «وإنّه» : وإنّ عيسى «لَعِلْمٌ

1.الأنبياء(۲۱): ۹۸.

2.الزخرف(۴۳): ۴۵.

3.في الحاشية: «صدَّ عنه يصدّ صدوداً: أعرض. وصدّه عن الأمر صدّاً: منعه، وصرفه عنه، وصدَّ يَصَدّ ويَصِدّ صديداً: ضجّ . الصحاح». الصحاح، ج۲، ص۴۹۵ (صدد).

4.في المصدر: «العبوديّة».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 93439
صفحه از 630
پرینت  ارسال به