541
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وقوله : (يتوارثون هِرَقْلاً بعد هِرَقْل) أي يتوارث بعضهم بعضاً توارث هرقل بعد هرقل، أي مَلكاً بعد ملك، حذف المفعول المطلق واُقيم المضاف إليه مقامه .
قال الفيروزآبادي : «هِرَقل، كسبحل وزبرج: ملك الروم، أوّل من ضرب الدنانير، وأوّل من أحدث البيعة» . ۱ انتهى .
وقيل : كأنّه عبّر عنهم هكذا كفراً وعناداً وإظهاراً لبطلانهم . ۲
وقوله : (مقالة الحارث) بالنصب على أنّه مفعول «أنزل»؛ أي فأخبر اللّه رسوله بمقالة الحارث .
(ونزلت هذه الآية) لبيان تلك المقالة : «وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» الآية .
قيل : المراد ترك عذاب الاستيصال ببركته صلى الله عليه و آله ، فلا ينافي ورود هذا العذاب عليه ، ويحتمل أن يكون المراد بأوّل الآية نفي عذاب الاستيصال ، وبقوله : «وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» نفي العذاب الوارد على الأشخاص ، فلذا أمره ـ صلوات اللّه عليه ـ بالتوبة لرفعه ، فلمّا لم يتب نزل عليه . ۳
وقال بعض المفسّرين :
هذه الآية بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقّف في إجابة دعائهم ، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنّ تعذيبهم عذاب استيصال، والنبيّ بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه ، والمراد باستغفارهم إمّا استغفار من بقي فيهم من المؤمنين، أو قولهم: «اللّهمّ اغفر» ، أو فرضه على معنى لو استغفروا لم يعذّبوا كقوله : «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»۴ . ۵
(ثمّ قال له : يا عمرو) .
لعلّه قد يسمّى باسم أبيه أيضاً . وفي بعض النسخ: «با عمرو» بالباء الموحّدة، فلعلّه منادى بحذف حرف النداء . وفي بعضها: «يا با عمرو» .

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۶۸ (هرقل) .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۷ .

3.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۲۸ .

4.هود(۱۱): ۱۱۷.

5.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۱۰۵ (مع اختلاف يسير) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
540

مريم» ، فخرج بعض من كان جالساً مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليكون هو الداخلَ، فدخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال الرجل لبعض أصحابه : أما رضي ۱ محمّدٌ أن فضّل عليّاً علينا حتّى يشبهه بعيسى ابن مريم ، واللّه لآلهتنا التي كنّا نعبدها في الجاهليّة أفضل منه ، فأنزل اللّه في ذلك المجلس : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يضجّون» ، فحرّفوها «يَصِدُّونَ» ، وقالوا : «أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» إِنْ عليٌّ إلّا عبدٌ «أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» ؛ فمحي اسمه عن هذا الموضع. ثمّ ذكر اللّه خطر أمير المؤمنين عليه السلام فقال : «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِي هذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» ؛ يعني أمير المؤمنين . ۲
قال : (فغضب الحارث بن عمرو الفهري) .
في القاموس: «الفهر، بالكسر: قبيلة من قريش» . ۳
(فقال : اللُّهمَّ ...) .
نسب عليه السلام هذا القول إلى الحارث وحده؛ لأنّه القائل به حقيقة، ونسب ـ جلّ شأنه ـ إليه وشركائه في التهكّم والتكذيب والإصرار على الإنكار حيث قال : «وَإِذْ قَالُوا اللّهُمَّ» باعتبار رضائهم بصدور الفعل عنه، والراضي بالفعل فاعل مجازاً ، ولفظ «هذا» في قوله : «إِنْ كَانَ هذَا هُوَ الْحَقُّ» إشارة إلى ما ذكر من فضل عليّ عليه السلام الدالّ على تقدّمه على الغير، واستحقاقه للخلافة واستبداده بها ، ولذلك قال على سبيل البيان والتوضيح : (أنّ بني هاشم ...) .
وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال : «وَإِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ» الآية :
روي أنّه لمّا قال النضر : «إِنْ هذَا إِلاّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ، قال له النبيّ صلى الله عليه و آله : «ويلك إنّه كلام اللّه » ، فقال ذلك ، والمعنى: إن كان القرآن حقّاً منزلاً فأمطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره، أو ائتنا بعذاب سواه ، والمراد منها التهكّم وإظهار اليقين والجزم التامّ على كونه باطلاً ، وقرئ «الحقُّ» بالرفع على أنّ هو مبتدأ غير فصل . ۴

1.في المصدر: «يرضى».

2.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۲۸۵ و۲۸۶، ح ۱۶. وعنه في بحار الأنوار ، ج ۹ ، ص ۲۳۶، ح ۱۳۱.

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۱۲ (فهر) .

4.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۱۰۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 93429
صفحه از 630
پرینت  ارسال به