553
البضاعة المزجاة المجلد الأول

واعلم أنّ ما ذكر من الشرطيّتين المتّصلتين بمنزلة قياسين استثنائيّين .
وقوله : (لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ...) بمنزلة النتيجة .
وقوله : (فيُخلّلان) من التخليل، وهو إدخال شيء في خلال شيء آخر .
وفي بعض النسخ: «فيجيئان» . وفي بعضها: «فيُجلّلان» بالجيم، أي يُلبسان ويُستَران من تجليل الفرس، وهو أن تُلبسه الجُلّ .
وفي بعضها: «فيجليان» ؛ قال الفيروزآبادي : «جلا فلاناً الأمر: كشفه عنه، كجلّاهُ» . ۱
وقال : «ضَغَث الحديث، كمنع: خلطه، والضِّغث بالكسر: قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس» . ۲
(فهنالك) أي ففي ذلك المكان الذي هو مكان مزج الحقّ والباطل .
(يستولي الشيطان على أوليائه). يُقال : استولى على الأمر ، أي بلغ الغاية ، واستيلاؤه عليهم بتمويه الشبهات والآراء الباطلة بحيث يلتبس عليهم تميّز الحقّ من الباطل .
(ونجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى) أي سبقت في مشيّته تعالى وعلمه وإرادته الأزلي ، وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُوْلئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» ؛ ۳ أي عن جهنّم . والحسنى: تأنيث الأحسن ؛ أي الخصلة الحُسنى وهي السعادة، أو التوفيق للطاعة واتّباع كتاب اللّه بترك الأهواء ، أو المنزلة الحُسنى وهي الجنّة، أو البشرى بها، أو المثوبة الحسنى، أو العاقبة الحُسنى .
وبالجملة هم الذين أخذت العناية الأزليّة بأيديهم في ظلم الشبهات، ووفّقتهم للاهتداء بالأئمّة الهُداة، والاستعلام عنهم فيما عرض لهم من المعضلات .
وفي بعض النسخ : «منّا» بدل «من اللّه » ، فلعلّ المراد مقول فيهم، أي قال اللّه في حقّهم ذلك .
وقيل : غرضه عليه السلام من هذه الخطبة هو الشكاية عن الاُمّة بتركهم الإمام الهادي الفارق بين الحقّ والباطل، وتمسّكهم بعقولهم الناقصة وأهوائهم الفاسدة، فصار ذلك سبباً لعدولهم عن القوانين الشرعيّة، وضمّوا إليها متخيّلات أوهامهم، فحملوها على غير وجوهها كأهل

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۱۳ (جلو) .

2.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۶۹ (ضغث) .

3.الأنبياء(۲۱): ۱۰۱.


البضاعة المزجاة المجلد الأول
552

والفتن: جمع الفتنة ، والمراد بها هنا الضلال، أو الإضلال، أو الكفر، أو الامتحان والاختبار من اللّه مع خروج الممتحنين إلى الكفر .
والأفعال الثلاثة في قوله : (من أهواء تُتّبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم اللّه ) على البناء للمفعول ، والضمير المجرور للأحكام أو للأهواء أيضاً .
وقوله : «يخالف» صفة اُخرى للأحكام ، والمراد بتلك الأحكام المسائل الفقهيّة لأهل الخلاف، أو قواعدهم في نصب الإمام وشروطه ، ومعنى ابتداعها استحداثها بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولما كان الغرض الأصلي من إرسال الرسل وإنزال الكتب وتقدير الشرائع نظام وجود الخلق، وانتظام اُمورهم في المعاش والمعاد، كان كلّ هوى متّبع، وحكم مبتدع خارج عن حكم اللّه منشأ لوقوع الفتن، وتبدّد النظام والانتظام .
وقوله : (يتولّى فيها رجال رجالاً) ؛ جملة حاليّة، إشارة إلى سبب اشتهار الفتن وانتشارها . يقال : تولّاه ، أي اتّخذه وليّاً ، والأمر: تقلّده، أي تودّده، أو جعل والياً طائفة طائفة، أو تقلّد طائفة أمر طائفة، وأعانه في الأهواء المتّبعة والأحكام المبتدعة .
ثمّ أشار إلى أنّ أسباب تلك الأهواء الفاسدة وموادّ تلك الأحكام الباطلة مزج المقدّمات الحقّة الواقعيّة بالمقدّمات المموّهة الشيطانيّة بقوله : (إنّ الحقّ) أي ما يجب التصديق به .
(لو خَلَصَ) كنصر، أي كان خالصاً عن مزج الباطل، أو من الخفاء، كقولنا: الواحد نصف الاثنين .
(لم يكن اختلاف) بين الناس ؛ أمّا على الأوّل فلأنّ المقدّمات المستعملة المسلّمة عند أهل الباطل لو كانت حقّاً، كانت النتيجة أيضاً حقّاً، فلا يكون بينهم وبين أهل [الحقّ ]اختلاف، فوقوع الاختلاف يدلّ على عدم الخلوص . وأمّا على الثاني فعدم الاختلاف ظاهر، فلم تكن ضلالة، ولا في التصديق به ثواب .
(ولو أنّ الباطل) أي ما يجب الكفر والجحود به .
(خلص) ممّا ذكر من الاحتمالين (لم يُخْفَ) بطلانه (على ذي حجًى) .
الحِجى، كإلى: العقل، والفطنة، وعدم خفاء بطلانه على الأوّل؛ لأنّ مقدّمات الشبهة إذا كانت باطلة برأسها، ولم تكن مثوبة بالحقّ أصلاً، حكم العاقل الفطن ببطلانه جزماً . وأمّا على الثاني فظاهر، ولمّا خفي وجه البطلان على عدم الخلوص .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110381
صفحه از 630
پرینت  ارسال به