واعلم أنّ ما ذكر من الشرطيّتين المتّصلتين بمنزلة قياسين استثنائيّين .
وقوله : (لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ...) بمنزلة النتيجة .
وقوله : (فيُخلّلان) من التخليل، وهو إدخال شيء في خلال شيء آخر .
وفي بعض النسخ: «فيجيئان» . وفي بعضها: «فيُجلّلان» بالجيم، أي يُلبسان ويُستَران من تجليل الفرس، وهو أن تُلبسه الجُلّ .
وفي بعضها: «فيجليان» ؛ قال الفيروزآبادي : «جلا فلاناً الأمر: كشفه عنه، كجلّاهُ» . ۱
وقال : «ضَغَث الحديث، كمنع: خلطه، والضِّغث بالكسر: قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس» . ۲
(فهنالك) أي ففي ذلك المكان الذي هو مكان مزج الحقّ والباطل .
(يستولي الشيطان على أوليائه). يُقال : استولى على الأمر ، أي بلغ الغاية ، واستيلاؤه عليهم بتمويه الشبهات والآراء الباطلة بحيث يلتبس عليهم تميّز الحقّ من الباطل .
(ونجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى) أي سبقت في مشيّته تعالى وعلمه وإرادته الأزلي ، وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُوْلئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» ؛ ۳ أي عن جهنّم . والحسنى: تأنيث الأحسن ؛ أي الخصلة الحُسنى وهي السعادة، أو التوفيق للطاعة واتّباع كتاب اللّه بترك الأهواء ، أو المنزلة الحُسنى وهي الجنّة، أو البشرى بها، أو المثوبة الحسنى، أو العاقبة الحُسنى .
وبالجملة هم الذين أخذت العناية الأزليّة بأيديهم في ظلم الشبهات، ووفّقتهم للاهتداء بالأئمّة الهُداة، والاستعلام عنهم فيما عرض لهم من المعضلات .
وفي بعض النسخ : «منّا» بدل «من اللّه » ، فلعلّ المراد مقول فيهم، أي قال اللّه في حقّهم ذلك .
وقيل : غرضه عليه السلام من هذه الخطبة هو الشكاية عن الاُمّة بتركهم الإمام الهادي الفارق بين الحقّ والباطل، وتمسّكهم بعقولهم الناقصة وأهوائهم الفاسدة، فصار ذلك سبباً لعدولهم عن القوانين الشرعيّة، وضمّوا إليها متخيّلات أوهامهم، فحملوها على غير وجوهها كأهل