563
البضاعة المزجاة المجلد الأول

جعل الخمس لهؤلاء، فسلمّوه إليهم، واقتنعوا بالأخماس الأربعة؛ فإنّ العلم العملي إذا اُمر به لم يُرد منه العلم المجرّد؛ لأنّه مقصود بالعرض، والمقصود بالذات هو العمل. «وَمَا أَنْزَلْنَا» من الآيات والملائكة والنصر «عَلى عَبْدِنَا» محمّد صلى الله عليه و آله «يَوْمَ الْفُرْقَانِ» : يوم بدر، فرّق فيه بين الحقّ والباطل «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» ؛ أي المسلمون والكفّار . انتهى . ۱
قوله عليه السلام : (فنحن واللّه عنى بذي القربى ...) ردّ على العامّة حيث ذهب بعضهم إلى أنّ ذوي القربى بنو هاشم وبنو عبد المطّلب مطلقاً، وبعضهم إلى أنّهم بنو هاشم لا غير ، وبعضهم إلى أنّهم قريش، الغني والفقير فيه سواء . وقيل : لفقرائهم فقط ، وقال بعضهم : الخمس كلّه لهم . وقال أبو حنيفة : سقط سهم اللّه وسهم رسوله وسهم جميع ذي القربى بوفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويصرف كلّه إلى الثلاثة الباقية .
وقال مالك : الرأي فيه يفوّض إلى الإمام كائناً من كان، يصرفه إلى من شاء . ومنهم من قال : يصرف سهم اللّه إلى الكعبة، والباقي يقسّم على خمسة .
وقال بعضهم : سهم اللّه لبيت المال، ويصرف في مصالح المسلمين، كما فعله الشيخان . ۲
(فقال تعالى) في سورة الحشر : «مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» . ۳
قال البيضاوي :
المراد ب «مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ» ما أعاده عليه، بمعنى صيّره له، أو ردّه عليه؛ فإنّه كان حقيقاً بأن يكون له، لأنّه تعالى خلق الناس لعبادته، وخلق ما خلق لهم ليتوسّلوا به إلى طاعته، فهو جدير بأن يكون للمطيعين .
وقوله تعالى : «كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» ؛ أي الفيء الذي حقّه أن يكون للفقراء ، والدولة ما يتداوله الأغنياء، ويدور بينهم كما كان في الجاهليّة «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ» ؛ أي وما أعطاكم من الفيء، أو من الأمر «فَخُذُوهُ» ؛ لأنّه حلال لكم، أو فتمسّكوا به؛ لأنّه واجب الطاعة .

1.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۱۰۹ و۱۱۰ .

2.راجع: شرح المازندراني ، ج ۱۱ ، ص ۳۷۷ و۳۷۸ .

3.الحشر(۵۹): ۷.


البضاعة المزجاة المجلد الأول
562

وأقول : الظاهر أنّ إضافة الناحية إلى الجانب بيانيّة، ويمكن حملها على اللاميّة بنوع من التقريب، وإضافة الجانب إلى العسكر لاميّة، أو يكون «جانب» بالتنوين، وعسكر بتقدير الرفع من قبيل: أكلوني البراغيث . ويحتمل أن يقرأ «ناحية» بالتنوين، والجانب بالرفع والإضافة .
وكلمة «ما» في قوله : (ما لقيت من هذه الاُمّة) إمّا للتعجّب على كون الكلام استئنافاً وتعجّباً من كثرة ما لقي منهم من الأذى ، أو للاستفهام الإنكاري .
وقال الفاضل الإسترآبادي : «إنّها تعليل ل «خفت»، ولامه محذوفة، والتقدير: لما لقيت» . ۱
وقيل : يحتمل كونها مفعولاً ل «يثوروا» على تقدير كونه من التثوير، أو تكون استئنافاً ـ كما قلناه أوّلاً ـ والمفعول محذوف، والتقدير: أن يثوروا فتنةً .
وقوله : (من الفرقة) هي بالضمّ اسم من قولك : فارقته مفارقة وفراقاً .
وقوله : (وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى) رجوع إلى الكلام السابق على أن يكون معطوفاً على قوله : «ورددت سبايا فارس» .
وقيل : استئناف عطف على المبتدعات المفصّلة سابقاً . وقيل : الظاهر أنّه عطف على «لقيت»، وأنّ «ذلك» إشارة إلى الخمس وما يجب فيه الخمس بقرينة المقام . ۲
وقال الفاضل الإسترآبادي : «ذلك، إشارة إلى غنيمة كانت حاضرة في ذلك الوقت». ۳
(الذي قال اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنفال : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» . ۴
قيل : إنّما اقتصر عليه السلام على بعض الآية؛ لأنّ مقصوده بالذات هو الإشارة إلى أنّ الإيمان يقتضي تسليم الخمس إلى ذي القربى، وأنّ المانع منه ليس بمؤمن . ۵
وقال البيضاوي :
«إِنْ كُنتُمْ» متعلّق بمحذوف دلّ عليه ، و «وَاعْلَمُوا» ؛ أي إن كنتم آمنتم باللّه ، فاعلموا أنّه

1.الأنفال(۸): ۴۱.

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۷۶ .

3.نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۷۶ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108515
صفحه از 630
پرینت  ارسال به