569
البضاعة المزجاة المجلد الأول

ويحتمل على بُعد أن يكون المراد بما يستقبلونه ما أمامهم من أحوال البرزخ وأهوال القيامة وعذاب الآخرة ومثوباتها، وبما استدبروه ما مضى من أيّام عمرهم وما ظهر لهم من آثار فناء الدنيا وحقارتها وقلّة بقائها . ۱
(وما كلّ ذي قلب بلبيب) .
القلب: الفؤاد، وقد يطلق على العقل . واللُّبّ، بالضمّ: العقل، وخالص كلّ شيء ، واللبيب: العاقل ؛ أي ليس كلّ ذي فؤاد أو غيره عاقل كامل العقل بحيث يدرك حقائق المعقولات ودقائقها، بل عقل أكثر الناس تابع للوهم والخيال، ومشوب المعارضات الوهميّة بحيث لا يرتقي من حضيض النقص إلى أوج الكمال .
(ولا كلّ ذي سمع بسميع ، ولا كلّ ذي ناظر عين ببصير) أي ليس كلّ من له آلة السمع يسمع الحقّ ويفهمه ويجيبه ويؤثّر فيه ويعمل به ، ولا كلّ من له آلة البصر يبصر الحقّ ويعتبر بما يرى وينتفع بما يشاهد بها.
وليس لفظ «عين» في بعض نسخ الكتاب، ولا في النهج . ۲
وقوله : (فيما يَعنيكم) أي يهمّكم وينفعكم . في القاموس: «عناه الأمرُ يَعنيه ويَعنوه عَناية وعِناية: أهمّه» . ۳
والظاهر أنّ قوله : (النظر فيه) بدل اشتمال لقوله : «فيما يعنيكم» ، ويحتمل كونه فاعلاً لقوله : «يعنيكم» بتقدير النظر قبل الظرف أيضاً ، واحتمال قراءة «يُعينكم» من الإعانة بعيدٌ .
وفي بعض النسخ: «يغنيكم» بالغين المعجمة من الإغناء ، وعلى النسختين فيه ترغيب في النظر والتأمّل فيما ينفع في أمر الدين والدنيا .
(ثمّ انظروا إلى عرصات مَنْ أقاده اللّه ) .
في القاموس: «العرصة: كلّ بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والجمع: عراص وعرصات» ، ۴ والظاهر أنّ المراد بها هنا الأراضي والبنيان الميّتة والخربة، أو ما فيه آثارهم مطلقاً .

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۳۸ و۱۳۹ .

2.اُنظر: نهج البلاغة ، ص ۱۲۱، الخطبة۸۸ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۶۷ (عني) .

4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۰۷ (عرص) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
568

والأحزاب من الأهوال والوهن والضعف، راجعين إلى صاحب الوحي، صابرين على أذى المشركين، ثابتين في الدين، فأيّدهم اللّه بنصره، وأزال عنهم وهنهم، وجبر عظمهم .
(واستدبرتم من خَطْب) .
قال :
وهو إشارة إلى ما كانوا فيه من الأهوال والوهن والشدّة في مبدأ الإسلام، مع قلّتهم وكثرة عدوّهم ، فلمّا اتّحدوا ولم يختلفوا، وصبروا ورجعوا إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، أيّدهم اللّه تعالى، وقوّاهم، وجبر عظمهم بمن أسلم ودخل في الدين .
ويحتمل أن يكون الخطب المستقبل والمستدبر واحداً، وهو جميع ما استقبلوه، ورأوه من أوّل الإسلام، واستدبروه إلى أوان قبضه صلى الله عليه و آله ، وإعادة الخطب يؤيّد الأوّل، وحذف الموصول في المعطوف يؤيّد الثاني .
(معتبر) أي في دون ذلك اعتبار لمن اعتبر؛ فإنّكم من ذلك الاعتبار تعلمون أنّه يجب عليكم بعده الاتّحاد في الدين والتعاون والتناصر ومقاساة مرارة الصبر والرجوع إلى أعلمكم في الفروع والاُصول، والاجتماع عليه وعدم التفرّق عنه، ليرد عليكم نصر اللّه ورحمته . انتهى . ۱
وقيل : يحتمل أن يكون المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول صلى الله عليه و آله من استيلاء الكفرة أوّلاً، وغلبة الحقّ وأهله ثانياً، وانقضاء دولة الظالمين ونصر اللّه رسوله على الكافرين ، والمراد بما استقبلوه ما ورد عليهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله من الفتن، واستبداد أهل الجهالة والضلالة باُمور المسلمين بلا نصر من رسول ربّ العالمين، وكثرة خطأهم في أحكام الدين، ثمّ انقضاء دولتهم، وما وقع بعد ذلك من الحروب والفتن، كلّ ذاك محل للاعتبار لمن عقل وفهم وميّز الحقّ عن الباطل؛ فإنّ زمان الرسول صلى الله عليه و آله وغزواته ومصالحته ومهادنته مع المشركين كانت منطبقة على أحوال أمير المؤمنين عليه السلام من وفاة الرسول إلى شهادته عليه السلام .
ويحتمل أن يكون المراد بما يستقبل [وما يستدبر] شيئاً واحداً؛ فإنّ ما يستقبل قبل وروده يستدبر بعد مضيّه ، والمراد التفكّر في انقلاب أحوال الدنيا وسرعة زوالها وكثرة الفتن فيها ، فيحثّ هذا التفكّر العاقل اللَّبيب على ترك الأغراض الدنيويّة، والسعي لما يوجب حصول السعادات الاُخرويّة .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۷۹ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 111397
صفحه از 630
پرینت  ارسال به