579
البضاعة المزجاة المجلد الأول

إلى المنحدر في السرعة والازدحام والتخريب وعدم احتمال الرجوع ، واستعار له لفظ الفعل . ۱
(كسيل الجَنَّتَيْنِ سيل العَرم) . شبّه عليه السلام تسلّط هذا الجيش على بني اُميّة بسوء أعمالهم بما سلّط اللّه على أهل سبأ بعد إتمام الغمّة عليهم؛ لكفرانهم وطغيانهم. وإضافة السيل إلى الجنّتين بتقدير «في»، أو لأدنى ملابسة .
والظاهر أنّ قوله : «سيل العرم» بدل من «سيل الجنّتين» أو صفة ، ويحتمل كونه خبراً لمبتدأ محذوف، أي هو سيل العرم المذكور في القرآن الكريم ، والعرم، بفتح العين وكسر الراء المثنّاة: جمع بلا واحد ، وقيل: واحدهُ عرِمَة كفرحة ، وفي الآية الكريمة فسّر بالسدّ والمطر الشديد والصعب والوادي الذي جاء السيل من قبله ، والجُرذ الذكر، وإضافة السيل إليه لأنّه نقب السدّ، فجرى السيل فخرّب البلدة والجنّات التي تحته .
(حيث بعث عليه فأرة) .
«بعث» على صيغة المعلوم ، والمستتر فيه عائد إلى اللّه ، و«فأرة» مفعوله . في بعض النسخ: «نقب» بالنون والقاف المشدّدة أو المخفّفة والباء الموحّدة ، وحينئذٍ يكون «فأرة» مرفوعاً بالفاعليّة.
و«حيث» للتعليل، والضمير المجرور للعرم إن اُريد به السدّ ، أو [إلى] السيل بحذف المضاف، أي على سدّه . وقيل : كلمة «على» حينئذٍ تعليليّة، والفأرة بالهمز: معروفة، وقد يترك همزتها تخفيفاً .
(فلم يثبت عليه أكمة) .
في القاموس:
الأكمَة، محرّكة: التلّ من القُفّ من حجارة واحدة، أو هي دون الجبال، أو الموضع يكون فيها أشدّ ارتفاعاً ممّا حوله، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجراً، الجمع: أكم، محرّكة وبضمّتين . ۲
ووجه عدم ثباتها عليه أنّه قلعها لكمال شدّتها وقوّتها ، والغرض من بيان شدّة السيل

1.نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۸۴ .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۷۵ (أكم) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
578

وإنّما خصّ الخريف لأنّه أوّل الشتاء، والسحاب فيه يكون متفرّقاً غير متراكم ولا مطبق، ثمّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك . ۱
(يؤلّف اللّه بينهم) أي بين هؤلاء، فيتواقف قلوبهم .
وقال بعض الأفاضل :
نسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنّه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيهاً لعدم منعهم عن ذلك، وتمكينهم من أسبابه، وتركهم واختيارهم بتأليفهم، وحثّهم عليه، ومثل هذا كثير في الآيات والأخبار . ۲
أقول : قد مرّ في كتب التوحيد من الاُصول ما يوضح من فساد هذا التوجيه، وأنّ تلك النسبة وأمثالها على سبيل الحقيقة لا المجاز .
(ثمّ يجعلهم رُكاماً كركام السحاب). قال الجوهري : «ركم الشيء يركمه، إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض ، والركام بالضمّ: الرمل المتراكم ، وكذلك السحاب وما أشبهه» . ۳
(ثمّ يفتح لهم أبواباً يسيلون من مستشارهم) . أي موضع مشورتهم، وهو موضع الاجتماع لتحقيق الصواب في الآراء، مَفعَلة من الإشارة .
وفي بعض النسخ: «مستثارهم» بالثاء المثلّثة، أي موضع ثورانهم وهيجانهم ووثبهم ونهوضهم .
قيل : استعار الأبواب للطرق، ورشّح بذكر الفتح مع ما فيه من الإيماء إلى أنّ حدّ ملك بني اُميّة كأنّها كان عليها سور لشدّة قوّتهم من منع دخول العدوّ فيه . ۴
وقيل : فتح الأبواب كناية عمّا هيّئ لهم من أسبابهم، وما سنح لهم من تدبيراتهم المصيبة، ومن اجتماعهم وعدم تخاذلهم . ۵
وقال الفاضل الإسترآبادي :
اُريد أنّ الشيعة بعد اجتماعهم على أبي مسلم يتفرّقون إلى البلاد من محلّ ثورانهم لقمع اُمراء بني اُميّة من البلاد، وفيه استعارة تبعيّة حيث شبّه سيرهم في البلاد بالسيل الجاري

1.النهاية ، ج ۴ ، ص ۵۹ (قزع) .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۴۳ .

3.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۹۳۶ (ركم) .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۸۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 111235
صفحه از 630
پرینت  ارسال به