581
البضاعة المزجاة المجلد الأول

قوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ»۱ الآية .
وقال البيضاوي : « «فَسَلَكَهُ» : فأدخله ، «يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ» ، هي عيون وبحار كائنة فيها، أو مياه نابعات فيها؛ إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع، فنصبها على المصدر، ۲ أو الحال» . ۳
وقال ابن أبي الحديد في شرح كلامه عليه السلام :
أي كما أنّ اللّه تعالى يُنزل الماء من السماء، فيستكنّ في أعماق الأرض، ثمّ يظهره ينابيع إلى ظاهرها، كذلك هؤلاء [القوم ]يفرّقهم اللّه في بطون الأودية وغوامض الأغوار، ثمّ يظهرهم بعد الاختفاء . ۴
وقال بعض الفضلاء :
الأظهر أنّه بيان لاستيلائهم على البلاد، وتفرّقهم فيها، وظهورهم في كلّ البلاد، وتيسير أعوانهم من سائر العباد، فكما أنّ مياه الأنهار ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار ، فكذلك أثر هؤلاء يظهر في كلّ البلاد، وتكثر أعوانهم في جميع الأقطار، وكلّ ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه . ۵
(يأخذ بهم) أي يأخذ اللّه بهؤلاء المتشتّتة المجتمعة (من قوم) أي من بني اُميّة .
(حقوق قوم) مظلومين، وهم أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم ، والمراد بأخذ الحقوق الانتقام من أعدائهم، وإن لم يصل إليهم جميع حقوقهم .
(ويمكِّن بهم): بهؤلاء المجتمعة لاستيصال بني اُميّة .
(قوماً في ديار قوم) .
الظاهر أنّ القوم الأوّل بنو عبّاس، والثاني بنو اُميّة . وقيل : أي يمكّنهم في ديار بني اُميّة بناءً على أنّ نصب «قوماً» من باب التجريد للمبالغة في كثرتهم حتّى أنّهم بلغوا فيها حدّاً يصلح أن ينتزع منهم مثلهم، كما قالوا في مثل: «لقيت بزيد أسداً» . ۶
وفي بعض النسخ: «ويمكّن من قوم لديار قوم»، ولعلّ كلمة «من» للصلة، أو للتبعيض، أو زائدة .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۸۴ .

2.الزمر(۳۹): ۲۱.

3.في المصدر: «الظرف».

4.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۶۳ .

5.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۹ ، ص ۲۸۴ .

6.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۴۵ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
580

المشبّه به بأنّه أحاط بالجبال، وذهب بالتلال، ولم يمنعه شيء أصلاً .
(ولم يردُّ سَننه رَصّ طَود) .
في القاموس: «سنن الطريق، مثلّثة وبضمّتين: نهجه وجهته» . ۱
والرصّ؛ في بعض النسخ بالصاد المهملة، وهو الصنم، وإلزاق الشيء بعضه ببعض . وفي بعضها بالضاد المعجمة، وهو الدقّ والحكّ . وفي بعضها: «الرسّ» بالسين المهملة، وهو الدفن، والثبوت، ومنه الرسيس، وهو الشيء الثابت.
والبارز في «سننه» راجع [إلى السيل]، أو إلى اللّه .
في القاموس: «الطَّود: الجبل، أو عظيمهُ» . ۲ وقيل: في اعتبار هذه الأوصاف في المشبّه به دلالة على اعتبارها في المشبّه، وهو كذلك لأنّ الشيعة وغيرهم بعد اجتماعهم على أبي مسلم ساروا من محلّهم إلى اُمراء بني اُميّة، وهم مع كثرة عدّتهم وشدّتهم لم يقدروا على ردّهم حتّى جرى عليهم قضاء اللّه تعالى بالاستيصال . ۳
وقوله : (يدغدغهم ۴ اللّه في بطون أودية) إشارة إلى وصفهم بما يناسب السيل بعد وصفهم به ، و«يدغدغهم» في بعض النسخ بالذائين المعجمتين والعينين المهملتين؛ يُقال: ذعذع المالَ وغيره، إذا بدّده وفرّقه، أي يفرّقهم اللّه في السيل والأطراف متوجّهين إلى البلاد .
وفي بعضها بالدالين المهملتين والغينين المعجمتين، من الدغدغة وهي تحريك الريح الشجرة، أو كلّ تحريك شديد، أي يحرّكهم في كمال الصولة وغاية الشدّة في طرقهم المسلوكة إلى أوطان بني اُميّة ومنازلهم، وسمّاها بطون الأودية لتشبيههم بالسيل وسهولة جريهم فيها ، والجملة حال عن فاعل «يسيلون» .
(ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض).
في القاموس: «سَلَك المكان سَلْكاً وسُلوكاً، وسَلَكهُ غيره، وفيه، وأسلكه إيّاه، وفيه وعليه: أدخله فيه» . ۵
والينابيع: جمع الينبوع، وهو عين الماء، أو الجدول الكثير الماء ، وهذه الفقرة مقتبسة من

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۳۷ (سنن) .

2.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۳۱۰ (طود) .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۸۴ .

4.في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «يذعذعهم».

5.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۰۷ (سلك) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 111217
صفحه از 630
پرینت  ارسال به