587
البضاعة المزجاة المجلد الأول

(كما تاهَتْ بنو إسرائيل) وتحيّروا .
(على عهد موسى عليه السلام ) ، وعبدوا العجل، ولم يتّبعوا أمر خليفته هارون عليه السلام .
وقيل : أي كما تاهوا في خارج المصر أربعين سنة يتيهون ويتحيّرون في الأرض، ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم وتركهم الجهاد . ۱
وقوله عليه السلام : (ولعمري) قسم ببقائه وحياته لترويج مضمون الخبر وتحقيق ثبوته، وإشارة إلى أنّ الضلالة في هذه الاُمّة أكثر من ضلالة بني إسرائيل، كما قال : (ليضاعفنّ عليكم ...).
المضاعفة إمّا بحسب الشدّة، أو المدّة؛ فإنّ حيرة بني إسرائيل في دينهم أربعون يوماً أو أقلّ، وفي التيه أربعون سنة بخلاف تحيّر هذه الاُمّة في دينهم؛ فإنّه مستمرّ إلى الآن .
ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ لهذه الاُمّة بليّة وفتنة اُخرى بعد ما ذكر من فتنة بني اُميّة بقوله : (ولعمري أن لو قد استكملتم) أي أتممتم .
(من بعدي [مدّة] سلطان بني اُميّة) أي مدّة غلبتهم وشوكتهم، وهي إحدى وتسعون سنة .
(لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة) ؛ هو عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس، الملقّب بالسفّاح، وكنيته أبو العبّاس أوّل خلفاء بني العبّاس ، ومدّة سلطنتهم خمسمائة وثلاثة وعشرون سنة وشهران وثلاثة وعشرون يوماً .
(وأحييتم الباطل) بترويجه وتشهيره مرّة اُخرى . وفي بعض النسخ: «وأجبتم» من الإجابة .
(وخلّفتم الحقّ) إلى قوله عليه السلام : (من أبناء الحرب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .
قيل : اُريد بالحقّ الإمام المنصوب من قبله تعالى ومتابعته، أو دينه أيضاً، والظاهر أنّ «من» في الموضعين بيان للأدنى والأبعد، أو حال عنهما ، وأنّ المراد بالأدنى ذاته المقدّسة وأولاده المطهّرة؛ يعني الأدنين إلى الرسول صلى الله عليه و آله نسباً، الناصرين له في غزوة بدر، وهي أعزّ غزوات الإسلام ، وبالأبعد عمّه العبّاس وولده ؛ لأنّه عليه السلام أقرب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حيث الإيمان به والنصرة له في المواطن كلّها سيّما في غزوة بدر من عبّاس، وهو من أبناء الحرب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان من اُسرائها. ۲
أو اُريد بأبناء الحرب ما يعمّ المعاوية وأتباعه وأضرابه من بني اُميّة وبني مروان أيضاً؛

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۴۸ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۸۷ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
586

(أيّها الناس، إنّ المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير) .
يقال : انتحل فلان شعر غيره ، وقول غيره، إذا ادّعاه لنفسه. و«من» بيان للمنتحلين ، والمقصود النهي عن تصديق كلّ مدّع قبل ظهور الحقّ وتبيّنه .
(ولو لم تتخاذلوا عن مُرّ الحقّ) .
يُقال : تخاذل القوم، إذا خذل بعضهم بعضاً، وترك عونه ونصرته ، وتخاذلوا، أي تدابروا، وتخاذَلَتْ رجلاهُ، أي ضعُفتا.
وإضافة المرّ إلى «الحقّ» بيانيّة ؛ أي الحقّ الذي هو مرّ، أو لاميّة؛ أي خالص الحقّ؛ فإنّه مرّ واتّباعه صعب .
وفي النهج: «عن نصر الحقّ» .
(ولم تَهنوا) أي لم تضعفوا .
(عن توهين الباطل) أي تضعيفه وتحقيره .
(لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم) أي منكم ، والتشجّع: تكلّف الشجاعة، وهي شدّة القلب عند البأس .
وفي بعض النسخ: «لم يتخشّع» من التخشّع، وهو تكلّف الخشوع، وكأنّه تصحيف . وفي النهج: «لم يطمع فيكم» .
وقوله : «عليكم» متعلّق بقوله: (لم يقْوَ) .
(وعلى هضم الطاعة) أي كسرها . قال الجوهري : «هضمتُ الشيء، أي كسرته ، يُقال : هضمه حقّه، إذا ظلمه وكسر حقّه، وهضمت لك طائفة من حقّي، أي تركته» . ۱
(وإزوائها عن أهلها) . الضمير للطاعة .
في القاموس: «زواه زيّاً وزويّاً: نحّاه، والشيء: جمعه وقبضه» . ۲
والظاهر أنّ المراد بالطاعة طاعة الإمام ، وإزوائها صدّ الناس ومنعهم منها، أو غصبها من أهلها .
(لكن تِهتم) ؛ على زنة «بِعتم» من التّيه، وهو التحيّر ؛ أي تحيّرتم عن أمركم، وضللتم بعد نبيّكم .

1.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۰۵۹ (هضم) .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۳۹ (زوي) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 111141
صفحه از 630
پرینت  ارسال به