597
البضاعة المزجاة المجلد الأول

(ولتُساطنّ سَوطة القِدْر) .
قال الجوهري : «السَّوط: خلط الشيء بعضه ببعض» . ۱ وقال الجزري : «ساط القدر بالمسوَط، وهو خشبة يحرّك بها ما فيها ليختلط . ومنه حديث عليّ عليه السلام : لتُساطنّ سوط القِدر» . ۲
وقوله : (حتّى يعود أسفلكم أعلاكم ...) كناية عن التمييز التامّ، وكشف السرائر، وظهور مكنونات الضمائر .
ويحتمل أن يكون كناية عن التزلزل والاضطراب الشديد المزعج . وقيل : يعني يصير كفّاركم مؤمنين وفجّاركم متّقين وبالعكس ، أو ذليلكم عزيزاً وعزيزكم ذليلاً ، موافقاً لبعض الاحتمالات السابقة . ۳
(وليسبقنّ سابقون ...) إشارة إلى بعض نتائج تقلّب الأوضاع والأطوار، وتغيّر الأحوال . والقصور عن الشيء: العجز عنه، وفعله كنصر ، ويُقال : قصر عن الأمر قصوراً؛ أي انتهى، وكذا التقصير. والتقصير في الأمر: التواني فيه .
وفي بعض النسخ: «سبّاقون» بدل «سابقون» في الموضعين .
وقال بعض الأفاضل الأعلام في شرح هذا الكلام :
إنّ المراد بالسبّاقين الذين كان من حقّهم السبق (كانوا قصّروا) أي تأخّروا ظلماً ، (وليقصّرنّ سبّاقون) ۴ أي الذين لم يكن من حقّهم السبق (كانوا سبقوا) أي تقدّموا ظلماً وزوراً ۵ . انتهى .
ويحتمل أن يكون المراد بالمقصّرين الذين يسبقون قوماً قصّروا في نصرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أعانوا أمير المؤمنين صلى الله عليه و آله ، أو قوماً لهم سابقة في الإسلام قصّروا في نصرته عليه السلام وطاعته أوّلاً حين قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ أطاعوه ونصروه ، وبالسابقين الذين يقصّرون قوماً أطاعوه في أوّل الأمر ثمّ قصّروا في طاعته وخذلوه وانحرفوا عنه كطلحة وزبير وأشباههما .

1.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۱۳۵ (سوط) .

2.النهاية ، ج ۲ ، ص ۴۲۱ (سوط) .

3.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۵۳ و۱۵۴ .

4.في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «سابقون».

5.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۴۴ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
596

(والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة) .
قيل : هذا إشارة إلى أنّهم كما عادت بليّتهم بعد النبيّ صلى الله عليه و آله كذلك تعود بعده . ۱ فتأمّل .
قال الفيروزآبادي : «البلبلة والبلابل: اختلاط الألسنة، وتفريق الآراء، وشدّة الهمّ والوساوس» . ۲
وقال بعض الشارحين : البلبلة : «البليّة أيضاً ؛ أي لتخلّطُنّ اختلاطاً في ألسنتكم، أو لتفرّقنّ افتراقاً في آرائكم، أو لتُبتَلُنَّ ببليّةٍ شديدة، وتحرّكن بالشدائد» . ۳
وقال ابن ميثم : «هي إشارة إلى ما يُوقع بهم بنو اُميّة وأضرابهم من اُمراء الجور من الفتن المزعجة والبلايا المتراكمة، وخلط بعضهم ببعض، وخفض أكابرهم، ورفع أراذلهم ». ۴
هذا كلامه، وأنت خبير بأنّ هذا التخصيص لا مخصّص له، فالصواب تعميم الامتحان والاختبار بحيث يشمل الفتن كائناً ما كان من اختلاف الأحوال واختلاط الأوضاع .
(ولتُغربلُنَّ غَربلةً) .
في القاموس: «غَرْبَلَهُ: نَخَلَهُ، وقطعه. والقوم: قتلهم، والغِربال بالكسر: ما يُنخل به» . ۵ قيل : الظاهر أنّها هنا مأخوذة من الغِربال، ويجوز أن تكون من قولهم: «غَربلتُ اللحم، أي قطعته» ، فعلى الأوّل الظاهر أنّ المراد تمييز جيّدهم من رديّهم، ومؤمنهم من منافقهم، وصالحهم من طالحهم بالفتن التي تعرض لهم ، كما أنّ في الغربال يتميّز اللبّ من النخالة . وقيل : المراد خلطهم؛ لأنّ غربلة الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض . ۶
وعلى الثاني لعلّ المراد تفريقهم وقطع بعضهم من بعض . وقال ابن ميثم : «هو كناية عن التقاط آحادهم، وقصدهم بالقتل والأذى، كما فعلوا بكثير من الصحابة والتابعين» . ۷ انتهى . فعلى هذا شبّه عليه السلام ذلك بغربلة الدقيق، واستعار له لفظها .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۹۰ .

2.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۳۷ (بلبل) مع التلخيص .

3.راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج ۱ ، ص ۲۹۶ ـ ۳۰۰ .

4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۴ (غربل) .

5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۵۳ .

6.راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ص ۲۹۷ و۲۹۸ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109523
صفحه از 630
پرینت  ارسال به