603
البضاعة المزجاة المجلد الأول

فأقبل) ؛ استُبعد عادةً رجوع الحقّ إلى الكثرة والقوّة بعد القلّة والضعف ، ولكنّه لم يستبعد بالنظر إلى فضل اللّه ولطفه وقدرته .
وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يرجع عن قريب، بل يكون ذلك في زمن القائم عليه السلام .
وقيل : فيه تنبيه على لزوم الحقّ كيلا يضمحلّ بتخاذلهم عنه، فلا يمكنهم تداركه . ۱
وكلمة «ما» مصدريّة، أو موصولة، ويكون ذكر الشيء من باب الإظهار في موضع الإضمار؛ للدلالة على التعميم .
(ولئن رُدَّ عليكم أمركم) أي لئن رجع وعاد إليكم اليوم أمركم؛ أي الحقّ الذي كنتم عليه في زمن حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
(أنّكم سعداء) عند اللّه ؛ أي يكون ذلك علامة سعادتكم .
(وما عليَّ إلّا الجهد) في رجوع أمركم إليكم وإصلاح حالكم ، والحاصل: إن ساعدني الوقت، وتمكّنت من أن أحكُم فيكم بأمر اللّه وحكمه، وعادت إليكم من الأيّام والسيرة ما يماثل أيّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيرته فهو من مساعدة سعادتكم، وكان فيه كالسابق استبعاد لرجوع دولة قوم بعد زوالها .
قال الجوهري :
الجَهْد والجُهد: الطاقة. قال الفرّاء : الجُهد، بالضمّ: الطاقة، والجَهْد ـ بالفتح ـ من قولك : أجهد جَهدك في هذا الأمر؛ أي أبلغ غايتك ، لا يُقال : أجَهَد جُهدك، والجَهد: المشقّة . ۲
(وإنّي لأخشى أن تكونوا على فترة) .
الفترة، بالفتح: ما بين النبيَّين من الزمان . وقيل : إذا اُطلقت يراد بها ما بين عيسى عليه السلام ونبيّنا صلى الله عليه و آله ، ۳
والمراد بها هنا الجاهليّة إطلاقاً لاسم الظرف على المضروف، أي أخشى أن لا أتمكّن من إجراء حكم اللّه وسنّة نبيّه فيكم، فتكونوا في الجاهليّة كالاُمم الذين من قبلكم في زمن الفترة لا يظهر فيهم الحقّ، ويشتبه عليهم الاُمور .
ثمّ أشار عليه السلام إلى سبب تلك الخشية بقوله : (مِلتُم عنّي ميلة ...) أي صدر منكم الميل عنّي

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۹۳ .

2.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۶۰ (جهد) .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
602

وقوله عليه السلام : (فلئن أمر الباطل فلقديماً ۱ ما فُعِلَ) ؛ شِبْهُ اعتذار لقلّة أهل الحقّ وكثرة أهل الباطل .
قال الفيروزآبادي : «أمر ـ كفرح ـ أمراً وأمرةً: كَثر، وتمَّ. الأمر: اشتدّ . والرجل: كثُرت ماشيته. وآمره اللّه وأمَرَهُ لُغيّة، أي كثر نسلهُ وماشيته» . ۲
وأقول : ينبغي قراءة «أمر» على اللغة الاُولى على بناء الفاعل ، وعلى الثانية على بناء المفعول .
وقال بعض العلماء : لا يبعد أن يكون «أمّر» بتشديد الميم على البناء للمفعول، من التأمير؛ أي صار أميراً ، انتهى .
وفي القاموس: «التأمير: تولية الإمارة» ۳ فتأمّل .
وقوله : «قديماً» منصوب على الظرفيّة على ما في بعض النسخ ، و«ما» زائدة لتأكيد معنى القدم، والعامل في الظرف قوله: «فعل» على صيغة المجهول، والمستتر فيه عائداً إلى الباطل ، والمراد أنّ كثرة الباطل في هذا الوقت بل في جميع الأوقات والأزمان ليست بديعة حتّى تستغرب، أو يستدلّ بها على حقّيّته .
وقرأ بعضهم: «فعل» على صيغة المعلوم، وقال : أي فَعَل الباطل، ذلك نسب الفعل إلى الباطل مجازاً . ۴
(ولئن قلّ الحقّ فلربما ولعلّ) . اللام الثانية موطئة للقسم، وربّ للتعليل، أو للتكثير؛ أي فو اللّه كثيراً ما أو أحياناً يكون الحقّ كذلك ، ولعلّه يعود كثيراً بعد قلّته وعزيزاً بعد ذلّته وغالباً بعد مغلوبيّته، بنصر اللّه وتأييده، فلا ينبغي أن يؤيس من الحقّ في أوان فتوره وضعفه، أو يستدلّ بقلّته على بطلانه ، وفي هذا الترجّي وَعْد بقوّة الحقّ وكثرته .
وبعض العلماء ضبط: «ولئن قُبِلَ الحقّ» ، وقال في شرحه : «أي ولعلّه يُقْبلَ ويغلب بنصر اللّه وتأييده» . ۵
ثمّ استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زوالها على سبيل التضجّر بقوله : (ولقلّما أدبر شيء

1.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۴۴ .

2.في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «لقديماً» بدون الفاء.

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۳۶۵ (أمر) .

4.راجع: القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۳۶۶ (أمر) .

5.اُنظر: مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۵۶ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109301
صفحه از 630
پرینت  ارسال به