605
البضاعة المزجاة المجلد الأول

المستعارة، وهما خيرٌ له ممّا لحقته بسبب غصب الخلافة وادّعاه ما ليس له من العذاب والنكال الاُخرويّة وسلب الحياة الروحانيّة الأبديّة .
(شُغِلَ عن الجنّة) على البناء للمفعول؛ أي ترك ما يوجب دخولها، وأقبل على الدنيا وزخارفها (والنار أمامه) أي والحال أنّه مقبل عليها، ولابدّ له من المصير إليها بحيث يكاد يدخلها . وقيل : معناه أنّ من كانت الجنّة والنار أمامه، فقد جُعِل له بهما شغل يكفيه عن كلّ ما عداه، فيجب عليه أن لا يشتغل إلّا به ، فأشار بذلك الشغل إلى ما يكون وسيلة إلى الفوز بالجنّة والنجاة من النار . انتهى . ۱
وكان هذا القائل جعل كلمة «عن» للتعليل، والواو للعطف؛ أي شغل لأجل الجنّة والنار، وهما أمامه. أو جعل الواو للحال ؛ أي والحال أنّ النار أمامه، فهو مشغول لأجلها أيضاً ، ولا يخفى عليك ما فيه من التكلّف .
وقوله : (ثلاثة) خبر مبتدأ محذوف؛ أي هم، أو المكلّفون .
(واثنان) عطف عليه، و(خمسة) ؛ خبر آخر .
وقوله : (ليس لهم سادس) صفة لخمسة ، والحاصل أنّ أحوال عباد اللّه المكلّفين تدور على خمسة، وتنحصر فيها، وإنّما لم يقل أوّلاً: خمسة؛ لأنّ الثلاثة من أهل العصمة وأهل النجاة جزماً، فلم يخلّطهم بالاثنين الذين هما من الرعيّة، فمنهم شقيّ وسعيد .
(مَلَكٌ يطير بجناحيه) أي أحدهما ملك أعطاه اللّه جناحين يطير بهما كسائر الطيور ، والظاهر أنّ المراد بالطيّران والجناح معناهما المتبادر؛ إذ لا صارف عنه، ويؤيّده ظاهر كثير من الآيات والروايات وإجماع أهل الحقّ حيث ذهبوا إلى أنّ الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة، يطيرون حيث أمرهم اللّه صعوداً ونزولاً .
وقيل : المراد بطيرانهم سيرهم في عالم الملك ودرجات الكمال بقدرتهم التي خلقها اللّه فيهم، فهو استعارة تبعيّة مرشّحة. ۲
والثاني : (نبيّ أخذ اللّه بضَبعيه) . وفي رواية: «بيديه» . قال الجزري : «الضَّبع، بسكون الباء:

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۹۴ . وانظر: الوافي ، ج ۲۶ ، ص ۴۵ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۹۴ .


البضاعة المزجاة المجلد الأول
604

في أوّل الأمر ؛ يعني تقديم الثلاثة عليه، وتخصيصها بتقديم الثالث عليه وقت الشورى لا وجه له .
(ولو أشاء لقلت) أي لبيّنت بطلان الثلاثة وتخطئتهم، وذكر معايبهم ممّا يقتضي عدم استحقاقهم للخلافة ، ولكنّي لم أقل ذلك؛ لأنّ المصلحة لا يقتضيه .
(عفا اللّه عمّا سلف) ؛ كأنّها جملة دعائيّة لمن تاب منهم ، ويحتمل الخبريّة . وقيل : هذا إشارة إلى مسامحته لهم بما سبق منهم، وعدم إظهار فضائحهم؛ إذ العادة جارية على أن يقول الإنسان ذلك فيما يتسامح به غيره من الذنوب . ۱
(سبق فيه) أي في الأمر (الرجلان) ؛ يعني الأوّل والثاني (وقام الثالث) بأمر الخلافة (كالغراب همّه) . في بعض النسخ: «همّته» (بطنه) .
وقيل : يعني في الحرص والشَّره ؛ فإنّ الغراب يقع على كلّ شيء يمكنه من الجيفة والثمرة والحبّة لغاية حرصه ، وفي المثل : «أحرص من الغراب» ، و«قد كان أكولاً متوسّعاً في الأكل مثل الغراب» ؛ ووجه التشبيه أنّ الغراب كما لا همَّ له بشيء أكثر من الأكل، ولذلك كان أكبر الطيور لطلب الغذاء، كذلك لم يكن أكبر همّه إلّا الترفّه والتوسّع في المطعم والمشرب وسائر مصالح البدن دون ملاحظة اُمور المسلمين ومراعاة مصالحهم .
(ويله لو قُصّ جناحاه) .
«ويل» كلمة وَبْخٍ وعذاب، ويستعمل بالإضافة فيُقال : ويله، وويلَك، وويلي، فينصب وجوباً بتقدير الناصب؛ أي ألزم اللّه ويلَه .
والقصّ: جزّ الشعر والريش، وهو هنا كناية عن التمثيل به، أو عن منعه، ورفع استيلائه، وقبض يده عن التصرّف في أموال المسلمين وفروجهم ودمائهم، وعدم حصول أسباب الدنيا ودواعي الإمارة والحكومة .
(وقُطِع رأسه) ؛ كأنّه كناية عن قطع ما هو بمنزلة رأسه من أمر الخلافة ؛ يعني خلعه عنه ، والمراد قتله قبل أن يرتكب مثل هذا الأمر الخطير الذي لا نصيب له فيه ولا حقّ .
(كان خيراً له) . وهذا ظاهر؛ إذ الأوّل يوجب المشقّة الدنيويّة، والثاني زوال الحياة

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۳۹۳ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109205
صفحه از 630
پرینت  ارسال به