77
البضاعة المزجاة المجلد الأول

والتقصير في الحقوق خوفاً من اللوم، وقد يتخلّق به من لم يُجبل عليه، وهو الحياء المكتسب، وإطلاقه على ما هو مبدأ الانفعال عن ترك الإتيان بالحقوق، وارتكاب ما يذمّ به على سبيل التجوّز.
(والتنزّه عمّا تنزّه الصالحون قبلكم) .
لعلّ المراد بالصالحين ما يعمّ الأنبياء والمرسلين، وبما تنزّهوا عنه فعلَ المَنهيّات وترك المأمورات، والتخلّقَ بالأخلاق الرديّة والآدابِ الذميمة، وارتكابَ فضول الدنيا ممّا لا حاجة لهم إليها.
(والمُجاملة) .
في بعض النسخ بالجيم، وهي المُعاملة بالجميل. وفي بعضها بالحاء المهملة، ولعلّه بمعنى التحمّل، وهو تكلّف الحمل ومُقاساة ۱ شدائده.
وكان قوله: (تحمّلوا الضَّيم) بيان للمجاملة.
و«الضَّيم»: الظلم، أي لا تقابلوهم بالانتقام؛ فإنّ الانتقام منهم في دولة الباطل يوجب مضاعفة الظلم عليكم؛ لضعفكم وقلّة ناصركم.
(وإيّاكم ومُماظَّتهم)
المُماظّة: المُشارّة والمنازعة وملازمة الخصم، وكأنّه عليه السلام حذّر عن مشارّتهم والدخول في مشهورتهم، أو عن منازعتهم وطول اللزوم في مخاصمتهم في الاُمور كلّها؛ لأنّها تميت القلب، وتُثير العداوة والفتن، وتوجب اضطراب القلب باستماع الشبهات، وهي مذمومة مع أهل الحقّ، فكيف مع أهل الباطل في دولتهم؟! أمّا نصيحة من استنصح منهم، واستعدّ لقبولها، فيكفيه أدنى الإشارة وأقلّ البيان، و[إن ]لم يستعدّ لذلك لم ينفعه السيف والسنان.
(دِينوا فيما بينكم وبينهم) من الاُمور المختلفة التي يجب فيها التقيّة.
والدِّين بالكسر: العادة والعبادة والمواظبة، أي عوّدوا أنفسكم بالتقيّة، أو اعبدوا اللّه، وأطيعوه بها، أو واظبوا عليها.
وقوله: (إذا أنتم ... ) ظرف لقوله: «دينوا».

1.قال ابن منظور: «المُقاساة: مُكابدة الأمر الشديد». لسان العرب، ج۱۵، ص۱۸۱ (قسو).


البضاعة المزجاة المجلد الأول
76

لا في كلام الناقل، ولذا لم يدخل على قوله: «قال».
قوله: (بسم اللّه الرحمن الرحيم) .
ابتدأ بها تيمّناً، أو تشرّفاً وتعظيماً لما يذكر بعدها، وعملاً بمضمون حديث الابتداء.
(أمّا بعد) أي بعد التسمية والاستعانة باللّه ـ عزّ وجلّ ـ في الاُمور كلّها.
(فاسألوا ربّكم العافية)
يقال: عافاهُ اللّه عن المكروه مُعافاة وعافية، أي دفعه منه، ووهب له العافية، والمراد بسؤالها طلب البراءة من الأسقام والآلام والمكاره، أو من الذنوب، أو من أذى الناس، أو من إيذائهم، أو الجميع.
(وعليكم بالدَّعَة والوَقار والسكينة) .
الدَّعة بالفتح: الراحة والرفاهيّة والسعة في العيش، والترغيب بها، والأمر بالتزامها، ليس باعتبار إكثار المال، بل لإصلاح الحال؛ فإنّ «مَن قَنع شَبع» ۱ واستراح، وترفّه في العيش، ومن أصلح بينه وبين الخلق، صديقاً كان أو عدوّاً، طاب عيشه، وترفّه حاله، واستقرّ باله.
وقيل: المراد بها ترك الحركات والأفعال التي توجب الضرر في دولة الباطل. ۲
والوَقار بالفتح: الحلم والرَزانة. ولعلّ المراد هنا ترك العجلة والتسرّع في الاُمور، أو اطمئنان القلب بالإيمان، وعدم تزلزله بمضلّات الفتن، أو رزانة النفس باللّه وسكونها ۳ إليه، وفراغها من غيره.
والسكينة: الطمأنينة وسكون الجوارح، وهي تابعة للوَقار؛ لأنّ من شغل قلبه باللّه، ولم يضطرب في اُمور الدنيا والدين، ولم يتسرّع إليها، اشتغلت جوارحه بما خلقت لأجله، وأعرضت عمّا سواه، وهذا أحسن من القول بترادفهما.
(وعليكم بالحياء) .
الحَياء بالفتح والمدّ: العار والحشمة، وعرّفوه بأنّه كيفيّة نفسانيّة مانعة من القبيح

1.الكافي، ج۸، ص۲۴۳، ح۳۳۷؛ تحف العقول، ص۳۰۳؛ غرر الحكم، ص۳۹۲، ح۹۰۵۴؛ مشكاة الأنوار، ص۱۳۰؛ مجموعة ورّام، ج۲، ص۱۵۳.

2.القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج۲۵، ص۶.

3.في الحاشية: «العطف للتفسير. منه».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109227
صفحه از 630
پرینت  ارسال به