79
البضاعة المزجاة المجلد الأول

وقوله: (فإذا ابتُليتُم) .
يحتمل أن يكون جزاء الشرط محذوفاً، أي فاعملوا حينئذٍ بالتقيّة، ولا تتركوها؛ بقرينة السياق. ويكون قوله: «فإنّهم سيؤذونكم» دليل الجزاء اُقيم مقامه. ويحتمل أيضاً كونه جزاء الشرط.
و(المنكر): ضدّ المعروف.
وقوله: (يدفعهم عنكم) أي بصرف قلوبهم، أو بالأمر بالتقيّة.
(لَسَطَوا بكم) .
السَّطو: الحملة والقهر والبطش، وعلى الأوّل يعدّى بـ «على»، وعلى الثاني بالباء.
وقوله: (من العداوة والبَغضاء) .
البُغض بالضمّ: ضدّ الحبّ كالعداوة، والبِغضة ـ بالكسر ـ والبَغضاء: شدّته.
وقوله عليه السلام : (مجالسكم ... ) بيان لسبب العداوة ومنشأ المفارقة؛ فإنّ ذوات أرواح المؤمنين وصفاتها نورانيّة ومن علّيّين، وذوات أرواح المخالفين وصفاتها ظلمانيّة ومن سجّين، ولا ائتلاف ۱ بين النور والظلمة، ولذا قال خليل الرحمان عليه السلام : «وَبَدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ»۲ إلى يوم القيامة.
ولا يبعد أن يُراد بعدم الائتلاف التناكر الروحاني، كما روي: «الأرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدة، فما تَعارف منها ائتَلف، وما تناكر منها اختَلف». ۳
وقوله: (وبصّركموه) .
الضمير للحقّ، وهو كلّ ما يطابق الواقع، ومنه ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، وأعظمها الولاية، وقد أكرم اللّه تعالى بها أهله، ولم يجعل لغيرهم منها نصيب؛ لإبطالهم الفطرة الأصليّة الداعية إلى الخير.

1.كذا قرأناه.

2.الممتحنة(۶۰): ۴.

3.الفقيه، ج۴، ص۳۸۰، باب ألفاظ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الموجزة التي لم يُسبق إليها، ح۵۸۱۸؛ الأمالي للصدوق، ص۱۴۵، المجلس ۲۹، ح۱۶؛ علل الشرائع، ج۱، ص۸۴، ح۲؛ عوالي اللآلي، ج۱، ص۲۸۸، ح۱۴۲. وفي شرح المازندراني، ج۱۱، ص۱۷۸: «وفيه [أي الحديث] تنبيه على أنّ اتّحاد المنازل في العالم الجسماني لا يستلزم اتّحادها في العالم الروحاني ولا بالعكس».


البضاعة المزجاة المجلد الأول
78

والمُنازعة: المخاصمة والمجاذبة، والمراد هنا ما يعمّ المحاورات مطلقاً، أو ما يتعلّق بأمر الدين.
وقوله: (فإنّه لابدّ لكم ... ) إشارة إلى لزوم ۱ تلك الاُمور؛ إمّا لأجل التقيّة، أو لأنّ الإنسان مدنيّ بالطبع، يحتاج في تحصيل أغراضه ومآربه إلى بني نوعه، ولا يتمّ ذلك إلّا بالمجالسة والمخالطة، ومع تحقّقهما يتحقّق المنازعة والمخاصمة.
وقوله: (بالتقيّة) متعلّق بقوله: «دينوا».
وحاصل المعنى: اعملوا بالتقيّة، واعبدوا اللّه بعبادة التقيّة إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم؛ فإنّه لا يمكنكم ترك مخالطتهم لما ذكر، مع كونكم مأمورين بها في الآيات والأخبار الكثيرة، منها قوله تعالى: «وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» ، ۲ وقوله: «لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ» ، ۳ قال عليه السلام : «الحسنة: التقيّة، والسيّئة: الإذاعة». ۴
ومنها قوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» ، ۵ قال عليه السلام : «التي هي أحسن التقيّة». ۶
ومنها قوله تعالى: «إِلَا مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْاءِيمَانِ» ، ۷ قيل: الظاهر أنّه لا خلاف في وجوب التقيّة عند الحاجة إليها، وأنّ تاركها آثم، ولكن إثمه لا يوجب دخول النار؛ لما روي عن أبي جعفر عليه السلام في رجلين من أهل الكوفة اُخذا، فقيل لهما: ابْرَءا من أمير المؤمنين عليه السلام ، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر، فخُلّي سبيلُ الذي بَرئ، وقُتِلَ الآخَر، فقال عليه السلام : «أمّا الذي بَرئ فرجل فقيه في دينه، وأمّا الذي لم يَبرأ فرجل تعجّل إلى الجنّة». ۸

1.ظاهر الكلام اللزوم كما ذهب إليه الشارح رحمه الله، لكن قد فهم المحقّق المازندراني رحمه الله منه الجواز أو الرجحان. راجع: شرح المازندراني، ج۱۱، ص۱۷۶.

2.الرعد(۱۳): ۲۲؛ القصص(۲۸): ۵۴.

3.فصّلت(۴۱): ۳۴.

4.الكافي، ج۲، ص۲۱۷، باب التقّية، ح۱؛ وص۲۱۸، نفس الباب، ح۶؛ المحاسن، ج۱، ص۲۵۷، ح۲۹۶ وح۲۹۷؛ تفسير فرات الكوفي، ص۳۸۵، ح۵۱۳؛ تأويل الآيات، ص۵۲۶.

5.المؤمنون(۲۳): ۹۶.

6.الكافي، ج۲، ص۲۱۸، باب التقيّة، ح۶؛ المحاسن، ج۱، ص۲۵۷، ح۲۹۷.

7.النحل(۱۶): ۱۰۶.

8.الكافي، ج۲، ص۲۲۱، باب التقيّة، ح۲۱. وعنه في وسائل الشيعة، ج۱۶، ص۲۲۶، ح۲۱۴۲۵؛ وبحار الأنوار، ج۷۲، ص۴۳۶، ح۱۰۱.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الأول
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 109105
صفحه از 630
پرینت  ارسال به