الاعتمادات ما يولد في الاعتقادات ، ولهذا لو اعتمد أحدنا على قلب غيره الدهر الطويل، ما تولّد فيه شيء من الاعتقادات .
وقد بيّن ذلك، وشرح في مواضع كثيرة ، والقديم تعالى هو القادر أن يفعل في قلوبنا ابتداءً من غير سبب أجناس الاعتقادات، ولا يجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا؛ لأنّ أكثر اعتقاد النائم جهل، وتناول الشيء على خلاف ما هو به؛ لأنّه يعتقد أنّه يرى ويمشي وأنّه راكب وعلى صفات كثيرة ، وكلّ ذلك على خلاف ما هو به، وهو تعالى لا يفعل الجهل، فلم يبق إلّا أنّ الاعتقادات كلّها من جهة النائم .
وقد ذكر في المقالات : أنّ المعروف بصالح قُبّة كان يذهب إلى أنّ ما يراه النائم في منامه على الحقيقة، وهذا جهل منه يضاهي جهل السوفسطائيّة ؛ لأنّ النائم يرى أنّ رأسه مقطوع، وأنّه قد مات، وأنّه قد صعد إلى السماء ، ونحن نعلم ضرورةً خلاف ذلك كلّه ، وإذا جاز عند صالح هذا أن يعتقد اليقظان في السراب أنّه ماء، وفي المُردي ۱ إذا كان في الماء أنّه مكسور، وهو على الحقيقة صحيح لضرب من الشبهة واللبس، وإلاّ جاز ذلك في النائم، وهو من الكمال أبعد ، وإلى النقص أقرب .
وينبغي أن يقسم ما يتخيّل النائم أنّه يراه إلى أقسام ثلاثة : منها ما يكون من غير سبب يقتضيه، ولا داعٍ يدعو إليه اعتقادا مبتدءا .
ومنها ما يكون من وسواس الشيطان يفعل في داخل سمعه كلاما خفيّا يتضمّن أشياء مخصوصة، فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنّه يراه، فقد نجد كثيرا من النيام يسمعون حديث من يتحدّث بالقرب منهم، فيعتقدون أنّهم يرون ذلك الحديث في منامهم .
ومنها ما يكون سببه والداعي إليه خاطرا يفعله اللّه تعالى، أو يأمر بعض الملائكة بفعله ، ومعنى هذا الخاطر أن يكون كلاما يفعل في داخل السمع، فيعتقد النائم أيضا ما يتضمّن ذلك الكلام، والمنامات الداعية إلى الخير والصلاح في الدِّين يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة ، كما أنّ ما يقتضي الشرّ منها الأولى أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة .