107
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

الخبر؛ لأنّه قال : «من رآني فقد رآني» ، فأثبت غيره رائيا له ونفسه مرئيّة، وفي النوم لا رائي له في الحقيقة ولا مرئيّ ، وإنّما ذلك في اليقظة، ولو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام : من اعتقد أنّه يراني في منامه، وإن كان غير راءٍ على الحقيقة، فهو في الحكم كأنّه قد رآني.
وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر، وتبديل لصيغته ، وهذا الذي رتّبناه في المنامات، وقسّمناه أسَدُّ تحقيقا من كلّ شيء قيل في أسباب المنامات، وما سطر في ذلك معروف غير محصَّل ولا محقّق.
فأمّا ما يهذي إليه الفلاسفة في هذا الباب، فهو ما يُضحِك الثكلى؛ لأنّهم ينسبون ما صحّ في المنامات لما أعْيَتهم الحِيَل في ذكر سببه، إلى أنّ النفس اطّلعت إلى عالمها، فأشرفت على ما يكون.
وهذا الذي يذهبون إليه في حقيقة النفس غير مفهوم ولا مضبوط ، فكيف إذا اُضيف إليه الاطّلاع على عالمها، وما هذا الاطّلاع ؟ وإلى أيّ يشيرون بعالم النفس؟ ولمَ يجب أن تعرف الكائنات عند هذا الاطّلاع ؟ فكلّ هذا زخرفة ومخرقة وتهاويل لا يتحصّل منها شيء .
وقول صالح فيه، مع أنّه تجاهل محض أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة .
انتهى كلامه قدّس اللّه روحه . ۱
ولنكتف بذكر هذه الأقوال، ولا نشتغل بنقدها وتفصيلها، ولا بردّها وتحصيلها ؛ لأنّ ذلك ممّا يؤدّي إلى التطويل الخارج عن المقصود في الكتاب ، ولنذكر ما ظهر لنا في هذا الباب من الأخبار المنتمية إلى الأئمّة الأخيار عليهم السلام ، فهو أنّ الرؤيا تستند إلى اُمور شتّى: فمنها أنّ للروح في حالة النوم حركة إلى السماء؛ إمّا بنفسها بناءً على تجسّمها، كما هو الظاهر من الأخبار ، أو بتعلّقها بجسدٍ مثاليّ .
إن قلنا به في حال الحياة أيضا، بأن يكون للروح جسدان: أصلي، ومثالي ، يشتدّ تعلّقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي، ويضعف تعلّقها بالآخر، وينعكس الأمر في حال النوم، أو بتوجّهها وإقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف تعلّقها

1.رسائل المرتضى ، ج ۲ ، ص ۱۱ - ۱۳ (مع اختلاف يسير) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
106

وقد يجوز على هذا فيما يراه النائم في منامه، ثمّ يصحّ ذلك حتّى يراه في يقظته على حدّ ما يراه في منامه ، وفي كلّ منام يصحّ تأويله أن يكون سبب صحّته أنّ اللّه تعالى يفعل كلاما في سمعه لضرب من المصلحة، بأنّ شيئا يكون أو قد كان على بعض الصِّفات، فيعتقد النائم أنّ الذي يسمعه هو ما يراه .
فإذا صحّ تأويله على ما يراه، فما ذكرناه أن لم يكن ممّا يجوز أن تتّفق فيه الصحّة اتّفاقا؛ فإنّ في المنامات ما يجوز أن يصحّ بالاتّفاق، وما يضيق فيه مجال نسبته إلى الاتّفاق، فهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه» .
ثمّ إنّ السيّد رحمه الله أورد على نفسه اعتراضا، وأجاب عنه ، ثمّ قال : «فإن قيل : فما قولكم في منامات الأنبياء عليهم السلام ؟ وما السبب في صحّتها حتّى عُدَّ ما يرونه في المنام مضاهيا لما يسمعونه من الوحي؟
قلنا : الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحّتها، ولا هي ممّا توجب العلم، وقد يمكن أن يكون اللّه تعالى أعلَمَ النبيّ بوحي يسمعه من المَلَك على الوجه الموجب للعلم: أنّي سأُريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل عليه، فيقطع على صحّته من هذا الوجه، لا بمجرّد رؤيته له في المنام .
وعلى هذا الوجه يحمل منام إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه ، ولو لا ما أشرنا إليه، كيف كان يقطع إبراهيم عليه السلام بأنّه متعبّد بذبح ولده !؟
فإن قيل : فما تأويل ما يروى عنه عليه السلام من قوله : «مَن رآني فقد رآني؛ فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي» ۱ ، وقد علمنا أنّ المحقّ والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبيّ صلى الله عليه و آله في النوم، ويخبر كلّ واحدٍ منهم بضدّ ما يخبر به الآخر ، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا؟
قلنا : هذا خبرٌ واحد ضعيف من أضعف أخبارنا الآحاد، ولا معوّل على مثل ذلك ، على أنّه يمكن مع تسليم صحّته أن يكون المراد به: من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ؛ لأنّ الشيطان لا يتمثّل بي لليقظان.
فقد قيل : إنّ الشيطان ربّما تمثّلت بصورة البشر، وهذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ

1.راجع : روضة الواعظين ، ص ۲۴۴ ؛ كتاب سليم بن قيس ، ص ۳۵۰ ؛ الفرج بعد الشدّة ، ج ۱ ، ص ۱۷۹ ؛ الصراط المستقيم ، ص ۱۵۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 189899
صفحه از 624
پرینت  ارسال به