اعْلَمُوا عِبَادَ اللّهِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لَا يُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ، وَلَا يُنْشَرُ [لَهُمُ] الدَّوَاوِينُ، وَإِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَرا، وَإِنَّمَا نَصْبُ الْمَوَازِينِ وَنَشْرُ الدَّوَاوِينِ لأهْلِ الْاءِسْلَامِ.
فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَمْ يُحِبَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَعَاجِلَهَا لأحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَلَمْ يُرَغِّبْهُمْ فِيهَا وَفِي عَاجِلِ زَهْرَتِهَا وَظَاهِرِ بَهْجَتِهَا، وَإِنَّمَا خَلَقَ الدُّنْيَا وَخَلَقَ أَهْلَهَا لِيَبْلُوَهُمْ فِيهَا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً لِاِخِرَتِهِ، وَايْمُ اللّهِ لَقَدْ ضَرَبَ لَكُمْ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَصَرَّفَ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ.
فَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِيهِ مِنْ عَاجِلِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهارا فَجَعَلْناها حَصِيدا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْاياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . ۱
فَكُونُوا عِبَادَ اللّهِ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ، وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» . ۲
وَلَا تَرْكَنُوا إِلى زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَمَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ؛ فَإِنَّهَا دَارُ بُلْغَةٍ، وَمَنْزِلُ قُلْعَةٍ، وَدَارُ عَمَلٍ.
فَتَزَوَّدُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِيهَا قَبْلَ تَفَرُّقِ أَيَّامِهَا، وَقَبْلَ الْاءِذْنِ مِنَ اللّهِ فِي خَرَابِهَا، فَكَانَ قَدْ أَخْرَبَهَا الَّذِي عَمَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَابْتَدَأَهَا، وَهُوَ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا.
فَأَسْأَلُ اللّهَ الْعَوْنَ لَنَا وَلَكُمْ عَلى تَزَوُّدِ التَّقْوى وَالزُّهْدِ فِيهَا، جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي عَاجِلِ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ لآِجِلِ ثَوَابِ الْاخِرَةِ، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
شرح
السند مجهول .
قوله : (يعظ الناس) ؛ الوعظ والعِظة: النصح . والاسم: الموعظة. والفعل كوَعَدَ .