11
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

اعْلَمُوا عِبَادَ اللّهِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لَا يُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ، وَلَا يُنْشَرُ [لَهُمُ] الدَّوَاوِينُ، وَإِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَرا، وَإِنَّمَا نَصْبُ الْمَوَازِينِ وَنَشْرُ الدَّوَاوِينِ لأهْلِ الْاءِسْلَامِ.
فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَمْ يُحِبَّ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَعَاجِلَهَا لأحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَلَمْ يُرَغِّبْهُمْ فِيهَا وَفِي عَاجِلِ زَهْرَتِهَا وَظَاهِرِ بَهْجَتِهَا، وَإِنَّمَا خَلَقَ الدُّنْيَا وَخَلَقَ أَهْلَهَا لِيَبْلُوَهُمْ فِيهَا أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً لِاِخِرَتِهِ، وَايْمُ اللّهِ لَقَدْ ضَرَبَ لَكُمْ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَصَرَّفَ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ.
فَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِيهِ مِنْ عَاجِلِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهارا فَجَعَلْناها حَصِيدا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْاياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . ۱
فَكُونُوا عِبَادَ اللّهِ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ، وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» . ۲
وَلَا تَرْكَنُوا إِلى زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَمَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ؛ فَإِنَّهَا دَارُ بُلْغَةٍ، وَمَنْزِلُ قُلْعَةٍ، وَدَارُ عَمَلٍ.
فَتَزَوَّدُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِيهَا قَبْلَ تَفَرُّقِ أَيَّامِهَا، وَقَبْلَ الْاءِذْنِ مِنَ اللّهِ فِي خَرَابِهَا، فَكَانَ قَدْ أَخْرَبَهَا الَّذِي عَمَرَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَابْتَدَأَهَا، وَهُوَ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا.
فَأَسْأَلُ اللّهَ الْعَوْنَ لَنَا وَلَكُمْ عَلى تَزَوُّدِ التَّقْوى وَالزُّهْدِ فِيهَا، جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي عَاجِلِ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، الرَّاغِبِينَ لآِجِلِ ثَوَابِ الْاخِرَةِ، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ».

شرح

السند مجهول .
قوله : (يعظ الناس) ؛ الوعظ والعِظة: النصح . والاسم: الموعظة. والفعل كوَعَدَ .

1.يونس (۱۰) : ۲۴ .

2.هود (۱۱) : ۱۱۳.


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
10

الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ فِي هذِهِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ: «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» . ۱
وَأَشْعِرُوا قُلُوبَكُمْ خَوْفَ اللّهِ، وَتَذَكَّرُوا مَا قَدْ وَعَدَكُمُ اللّهُ فِي مَرْجِعُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ، كَمَا قَدْ خَوَّفَكُمْ مِنْ شَدِيدِ الْعِقَابِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَافَ شَيْئا حَذِرَهُ، وَمَنْ حَذِرَ شَيْئا تَرَكَهُ.
وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ الْمَائِلِينَ إِلى زَهْرَةِ الدُّنْيَا، الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: «أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ»۲ ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ.
فَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللّهُ بِمَا فَعَلَ بِالظَّلَمَةِ فِي كِتَابِهِ، وَلَا تَأْمَنُوا أَنْ يُنْزِلَ بِكُمْ بَعْضَ مَا تَوَاعَدَ بِهِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فِي الْكِتَابِ.
وَاللّهِ ۳ لَقَدْ وَعَظَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ بِغَيْرِكُمْ؛ فَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَلَقَدْ أَسْمَعَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ مَا قَدْ فَعَلَ بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرى قَبْلَكُمْ، حَيْثُ قَالَ: «وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً» ، وَإِنَّمَا عَنى بِالْقَرْيَةِ أَهْلَهَا، حَيْثُ يَقُولُ: «وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْما آخَرِينَ»۴ ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ»۵ ؛ يَعْنِي يَهْرُبُونَ.
قَالَ: «لاتَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ»۶ فَلَمَّا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ «قالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ * فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدا خامِدِينَ»۷ ، وَايْمُ اللّهِ إِنَّ هذِهِ عِظَةٌ لَكُمْ، وَتَخْوِيفٌ إِنِ اتَّعَظْتُمْ وَخِفْتُمْ.
ثُمَّ رَجَعَ الْقَوْلُ مِنَ اللّهِ فِي الْكِتَابِ عَلى أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ»۸ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِنَّمَا عَنى بِهذَا أَهْلَ الشِّرْكِ، فَكَيْفَ ذلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»۹ .

1.الأعراف (۷) : ۲۰۱ .

2.النحل (۱۶) : ۴۵ .

3.في حاشية النسخة عن بعض النسخ: «تاللّه ».

4.الأنبياء (۲۱) : ۱۱ .

5.الأنبياء (۲۱) : ۱۲ .

6.الأنبياء (۲۱) : ۱۳ .

7.الأنبياء (۲۱) : ۱۴ و ۱۵ .

8.الأنبياء (۲۱) : ۴۶ .

9.الأنبياء (۲۱) : ۴۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 179289
صفحه از 624
پرینت  ارسال به