119
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقد اُبرِمَ إبراما» . ۱
وفي الصحيح عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال : «عليكم بالدُّعاء؛ فإنّ الدُّعاء للّه ، والطلب إلى اللّه يَرُدُّ البلاء، و[قد] قُدّر، وقُضي، ولم يَبق إلّا إمضاؤه» الحديث . ۲
وقوله : (وغَشيهم) أي أتاهم العذاب، أو أحاط بهم .
(وذلك) التدارك (لمّا آمنوا به، وتضرّعوا إليه) .
روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «ما ردّ اللّه العذاب إلّا عن قوم يونس، وكان يونس يدعوهم إلى الإسلام، فأبوا ذلك، فهمَّ أن يدعو عليهم، وكان فيهم رجلان: عابِدٌ، وعالِمٌ. وكان اسم أحدهما «مليخا»، والآخر اسمه «روبيل» ، فكان العابد يشير على يونس بالدّعاء عليهم، وكان العالم ينهاه ويقول : لا تَدْعُ عليهم؛ فإنّ اللّه يستجيب لك، ولا يجب هلاك عباده، فقبل قول العابد، ولم يقبل من العالم، فدعا عليهم، فأوحى اللّه إليه يأتيهم العذاب في سنة كذا وكذا في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، فلمّا قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد، وبقي العالم فيها ، فلمّا كان في ذلك اليوم نزل العذاب، فقال العالم لهم : يا قوم، افزعوا إلى اللّه ، فلعلّه يرحمكم، فيردّ العذاب عنكم ، فقالوا : كيف نصنع؟
قال : اُخرجوا إلى المفازة، وفرّقوا بين النساء والأولاد، وبين الإبل وأولادها، وبين البقر وأولادها، وبين الغنم وأولادها، ثمّ ابكوا ، وادعوا ، فذهبوا ، وفعلوا ذلك، وضجّوا ، وبكوا، فرحمهم اللّه ، وصرف عنهم العذاب، وفرّق العذاب على الجبال ، وقد كان نزل وقرب منهم، فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم اللّه ، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم ، قال لهم : ما فعل قوم يونس؟
فقالوا له ولم يعرفوه : إنّ يونس دعا عليهم، فاستجاب اللّه له، ونزل العذاب عليهم، فاجتمعوا ، وبكوا، ودعوا ، فرحمهم اللّه ، وصرف ذلك عنهم، وفرّق العذاب على الجبال، فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به ، فغضب يونس، ومرّ على وجهه مغاضبا للّه ـ كما حكى اللّه

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۶۹ ، ح ۳ . وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۳۶ ، ح ۸۶۴۵ .

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۷۰ ، ح ۸ . وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۳۶ ، ح ۸۶۴۳ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
118

والواو في قوله : (وكانت طاعتهم إيّاه وبالاً عليهم) للحال بتقدير «قد» .
وفي القاموس : «الوَبيل ـ كأمير ـ هي الشديد، والمَرْعى الوخيم . وَبُل ـ ككَرُم ـ وبالاً ووَبالاً ووبُولاً . وأرضٌ وبيلة: وخيمة المَرتع .والوبال: الشدّة، والثقل» . ۱
(إلّا من بعد تحوّلهم عن طاعته) .
لا يذهب عليك أنّ الاستثناء يُوهِم خلاف المقصود . وقد يوجّه بأنّ المراد أنّه تعالى إذا قدّر وقضى وأمر بهبوب رياح رحمة، ثمّ تحوّلوا عن طاعته إلى معصيته؛ فإنّه لا يرجع عن هبته، ولا يقلب تلك الرِّياح عليهم عذابا إلّا أن يأمر بإنشاء أمرٍ آخر بعد تحوّلهم وإرسال ريح اُخرى بعد طغيانهم . ۲
وقيل : فيه دلالة على أنّ هذه الطاعة وإن كانت معصيةً استحقّوا به العذاب ، إلّا أنّهم لو تحوّلوا عنها أدركتهم الرحمة، ولم يعذّبهم بها، وإنّما ذكر هذه المعصية ليُقاس عليها غيرها . انتهى . ۳
وهو كما ترى .
وقوله : (وكذلك فعل بقوم يونس) إشارة إلى جعل العذاب رحمة .
(لمّا آمنوا) .
«لمّا» هنا بمعنى «حين» .
وقوله : (وقضاه) .
قيل : أي قضاه قضاءً غير محتوم، ولم يبلغ حدّ الإمضاء؛ إذ لا دافع بعده . ۴
أقول : في تقييد القضاء بغير المحتوم نظر ؛ روى المصنّف في الحسن، عن حمّاد بن عثمان، قال : سمعته يقول : «إنّ الدُّعاء يردّ القضاء، يَنقضه كما يُنقض السِّلك، وقد اُبرِمَ إبراما» . ۵
وفي الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «إنّ الدُّعاء يردّ القضاء ، وقد نزل من السماء ،

1.القاموس المحيط ، ، ج ۴ ، ص ۶۳ (وبل) مع التلخيص .

2.التوجيه من العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۱۹ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲، ص ۶ .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶ .

5.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۶۹ ، ح ۱. وعنه في : وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۳۶ ، ح ۸۶۴۶ ؛ بحار الأنوار ، ج ۹۰ ، ص ۲۹۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 180744
صفحه از 624
پرینت  ارسال به