129
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

فقال : ياربّ بما أجري؟ فقال : بما هو كائن . ثمّ خلق الظلمة من الهواء، وخلق النور من الهواء، وخلق الماء من الهواء، وخلق العرش من الهواء، وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد، وخلق النار من الهواء، وخلق الخلق كلّهم من هذه الستّة التي خلقت من الهواء» . ۱
وروى الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي الصلت الهروي، قال : سأل المأمون أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»۲ ، فقال : «إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدلّ بأنفسها وبالعرش والماء على اللّه ـ عزّ وجلّ ـ ثمّ جعل عرشه على الماء؛ ليظهر بذلك قدرته للملائكة، فتعلم أنّه على كلّ شيء قدير ، ثمّ رفع العرش بقدرته، ونقله، فجعله فوق السماوات السبع، ثمّ خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام، وهو مستولٍ على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ خلقها في ستّة أيّام؛ ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء، فتستدلّ بحدوث ما يحدث على اللّه تعالى ذكره» . ۳
وقوله : (فإنّ بعض من سألتُه قال: القَدَر) .
في القاموس : «القَدَرُ، محرّكة: القضاء، والحكم، ومبلغ الشيء» . ۴
ولعلّ هذا القائل أراد به تقديرات الأشياء مع ما يلزمها من اللوح المثبت فيه ذلك ، أو أراد نفس اللوح مجازا وجوهرا، وهو أوّل المخلوقات، لكن تخطئتهُ عليه السلام هذا القائل يدلّ على أنّه أراد به نفس الحكم والقضاء، إلّا أن يحمل قوله عليه السلام : «ما قالوا شيئا» على أنّهم لم يقولوا فيه شيئا بيّنا، لا التباس فيه ولا إجمال .
وفي توحيد الصدوق : «القُدرة»، وهي القوّة . قيل : لعلّه مبنيّ على قول من قال بزيادة صفاته تعالى على ذاته، وأنّها مخلوقة له سبحانه . ۵

1.هود (۱۱) : ۷ .

2.تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۳۲۱ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۷۰ ، ح ۴۶ .

3.التوحيد ، ص ۳۲۰ ، ح ۲ ؛ عيون الأخبار ، ج ۱ ، ص ۱۳۴ ، ح ۳۳ .

4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۱۴ (قدر) .

5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۳۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
128

واعلم أنّه اختلفت الأخبار والأقوال في أوّل المخلوقات : منها : ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب العيون بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «أوّل ما خلق اللّه النور» . ۱
ومنها : ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «أوّل ما خلق اللّه نوري» ۲ . وفي بعض الأخبار: «روحي» . ۳
ومنها : ما رواه المصنّف وغيره عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إنّ اللّه خلق العقل، وهو أوّل خلق من الروحانيّين عن يمين العرش من نوره». ۴
وهذا الخبر لا يدلّ على تقدّم خلق العقل على ما سواه من المخلوقات، بل سوا خلق الروحانيّين ، فلا يبعد أن يكون خلقه بعد الماء ، وأمّا الخبر الثاني والثالث فيمكن حملهما على الأوّليّة الإضافيّة ، ويمكن الجمع بينهما بحملهما على الاتّحاد . وكذا الخبر الأوّل .
ويمكن أيضا حمل أخبار الماء على الأوّليّة الإضافيّة بأن يكون خلق الروحانيّين أو النور مقدّما على خلقه، واللّه تعالى يعلم .
وأنت إذا أحطت خُبرا بما تلوناه عليك، لا يشكل عليك وجه الجمع بين غيرها من الأخبار، مثل ما نقل من التوراة أنّه جاء في السِفر الأوّل منه: «إنّ مبدأ الخلق جوهر خلقه اللّه تعالى، ثمّ نظر إليه نظر الهيبة، فذابت أجزاؤه، فصارت ماءً، فصار هذا الماء بخارا كالدخان، فخلق منه السماوات، وظهر على وجه الماء مثل زبد البحر، فخلق منه الأرض، ثمّ أرساها بالجبال» . ۵
وقال عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»۶ ، قال : «وذلك في مبدأ الخلق، أنّ الربّ ـ تبارك وتعالى ـ خلق الهواء، ثمّ خلق القلم، فأمره أن يجري ،

1.عيون الأخبار ، ج ۱ ، ص ۲۴۰ ، ح ۱ ؛ و ص ۲۶۲ ، ح ۲۲ (بسند آخر عنه عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه و آله ) . وانظر أيضا : علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۹۳ ، ح ۴۴ .

2.عوالي اللآلي ، ج ۴ ، ص ۹۹ ، ح ۱۴۰ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۱ ، ص ۹۷ ، ح ۷ .

3.اُنظر : بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۳۰۹ ؛ نورالبراهين ، ج ۱ ، ص ۱۷۹ .

4.الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۰ ، ح ۱۴ ؛ المحاسن ، ج ۱ ، ص ۱۹۶ ، ح ۲۲ ؛ تحف العقول ، ص ۳۹۹ ؛ الخصال ، ج ۲ ، ص ۵۸۸ ، ح ۱۳ ؛ علل الشرائع ، ج ۱ ، ص ۱۱۳ ، ح ۱۰ .

5.اُنظر : بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۳۰۸ .

6.هود (۱۱) : ۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181523
صفحه از 624
پرینت  ارسال به