فقال : ياربّ بما أجري؟ فقال : بما هو كائن . ثمّ خلق الظلمة من الهواء، وخلق النور من الهواء، وخلق الماء من الهواء، وخلق العرش من الهواء، وخلق العقيم من الهواء وهو الريح الشديد، وخلق النار من الهواء، وخلق الخلق كلّهم من هذه الستّة التي خلقت من الهواء» . ۱
وروى الصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي الصلت الهروي، قال : سأل المأمون أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»۲ ، فقال : «إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدلّ بأنفسها وبالعرش والماء على اللّه ـ عزّ وجلّ ـ ثمّ جعل عرشه على الماء؛ ليظهر بذلك قدرته للملائكة، فتعلم أنّه على كلّ شيء قدير ، ثمّ رفع العرش بقدرته، ونقله، فجعله فوق السماوات السبع، ثمّ خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام، وهو مستولٍ على عرشه، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ خلقها في ستّة أيّام؛ ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء، فتستدلّ بحدوث ما يحدث على اللّه تعالى ذكره» . ۳
وقوله : (فإنّ بعض من سألتُه قال: القَدَر) .
في القاموس : «القَدَرُ، محرّكة: القضاء، والحكم، ومبلغ الشيء» . ۴
ولعلّ هذا القائل أراد به تقديرات الأشياء مع ما يلزمها من اللوح المثبت فيه ذلك ، أو أراد نفس اللوح مجازا وجوهرا، وهو أوّل المخلوقات، لكن تخطئتهُ عليه السلام هذا القائل يدلّ على أنّه أراد به نفس الحكم والقضاء، إلّا أن يحمل قوله عليه السلام : «ما قالوا شيئا» على أنّهم لم يقولوا فيه شيئا بيّنا، لا التباس فيه ولا إجمال .
وفي توحيد الصدوق : «القُدرة»، وهي القوّة . قيل : لعلّه مبنيّ على قول من قال بزيادة صفاته تعالى على ذاته، وأنّها مخلوقة له سبحانه . ۵
1.هود (۱۱) : ۷ .
2.تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۳۲۱ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۷۰ ، ح ۴۶ .
3.التوحيد ، ص ۳۲۰ ، ح ۲ ؛ عيون الأخبار ، ج ۱ ، ص ۱۳۴ ، ح ۳۳ .
4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۱۴ (قدر) .
5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۳۱ .