131
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

ذهبوا إليه نشأ من مثال سابق، وهذا باطل . ۱
انتهى، فتأمّل فيه حتّى يظهر لك فساد هذا القول، وما نسب إلى العامّة من أنّ أوّل ما خلقه اللّه القلم، فهو مرويّ من طرق الخاصّة أيضا، كما أشرنا إليه آنفا .
روى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «أوّل ما خلق اللّه القلم، فقال له : اُكتب، فكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة» . ۲
وروى عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن «ن * وَالْقَلَمِ»۳ ، قال : «إنّ اللّه خلق القلم من شجرة في الجنّة يُقال لها: الخُلد، ثمّ قال لنهرٍ في الجنّة: كُن مدادا، فجمد النهر، وكان أشدّ بياضا من الثلج ، وأحلى من الشهد ، ثمّ قال للقلم : اكتب ، قال : ياربّ وما أكتب؟ قال : اكتب ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فكتب القلم في رقّ أشدّ بياضا من الفضّة، وأصفى من الياقوت، ثمّ طواه، فجعله في ركن العرش، ثمّ ختم على فم القلم، فلم ينطق بعد ، ولا ينطق أبدا، فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلّها، أَ ولستم عَرَبا؟ فكيف لا تعرفون معنى الكلام؟! وأحدكم يقول لصاحبه: اُنسخ ذلك الكتاب؟! أَ وليسَ [إنّما] ينسخ من كتاب اُخذ من الأصل، وهو قوله : «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» ؟ ۴ » . ۵
وفي كتب الصدوق مثله . ۶
وظهر من هذا الخبر ما قلناه من أنّ أوّليّة خلق القلم بالإضافة؛ لتقدّم الجنّة والشجرة عليه .
وقوله عليه السلام : (ما قالوا شيئا) أي شيئا واقعيّا، أو شيئا يعتدّ به .
وقوله : (وكان عزيزا) أي غالبا على الأشياء كلّها .
وقال صاحب العدّة : «العزيز: هو المنيع الذي لا يُغْلَب ، وهو أيضا الذي لا يعادله شيء،

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۰ .

2.تفسيرالقمّي ، ج ۲ ، ص ۱۹۸ . و عنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۳۶۶ ، ح ۱ .

3.القلم (۶۸) : ۱ .

4.الجاثية (۴۵) : ۲۹ .

5.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۷۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۳۶۶ ، ح ۳ .

6.اُنظر : التوحيد ، ص ۱۳۶ ، ح ۸ ؛ عيون الأخبار ، ج ۱ ، ص ۱۱۸ ، ح ۸ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
130

(وقال بعضهم : القلم) .
وقد ورد ذلك في بعض أخبارنا أيضا . ولعلّ المراد الأوّليّة الإضافيّة، كما مرّ ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه .
وفي التوحيد : «وقال بعضهم : العِلم» . قيل : هو أيضا مبنيّ على ما مرّ في القدرة . ۱
(وقال بعضهم: الروح) .
في القاموس : «الروح، بالضمّ: ما به حياة الأنفُس» ۲ . ولعلّ هذا القائل أراد به العقل، كما هو رأي الفلاسفة، لكن على مذهبهم كونه مخلوقا ـ بمعنى كون وجوده مسبوقا على عدمه الخارجي ـ نظر .
وقيل :
القدر هنا عبارة عمّا قضاه اللّه ، وحكم به من الاُمور . وقد يُراد به تقدير الأشياء .
والقلم يُطلق تارةً على [كلّ] ما يكتب به، وتارةً على ما كتب به اللوح المحفوظ، وهو المراد هنا . قال بعض العامّة : أوّل ما خلقه اللّه القلم، ثمّ النون وهو الدواة، ثمّ قال : اكتب ما هو كائن وما كان إلى يوم القيامة ، ثمّ ختم على القلم، فلا ينطق إلى يوم القيامة . ۳ واختلفوا في المأمور بالكتابة ؛ فقيل : هو صاحب القلم بعد خلقه . وقيل : القلم نفسه؛ لإجرائه مجرى أُولي العلم، وإقامته مقامه.
والروح ما يقوم به الجسد، وتكون به الحياة . وقد يُطلق على القرآن، وعلى جبرئيل .
ثمّ قال :
إذا عرفت هذا، فأقول : القائل الأوّل نظر إلى أنّ القضاء والتقدير مقدّم على وجودات الأشياء، فحكم بأنّه الأوّل ، والقائل الثاني نظر إلى أنّه ثَبْت الأشياء في اللوح متوقّف على القلم، فحكم بأنّه الأوّل ، والقائل الثالث نظر إلى أنّ الروح أشرف الأشياء، ويتوقّف عليه الكتابة في اللوح، فحكم بأنّه الأوّل . والكلّ معترف بأنّ ما

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۲۵ ص ۲۳۱ .

2.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۲۲۴ (روح) .

3.اُنظر: أحكام القرآن لابن العربي ، ج ۴، ص ۳۰۴ ؛ تفسير ابن كثير ، ج ۴ ، ص ۴۲۷ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۵، ص ۱۷۴ ؛ و ج ۶۱ ، ص ۳۸۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181461
صفحه از 624
پرینت  ارسال به