133
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

والتأثير بالنسبة إلى ذلك الغير، ويلزم منه أن يكون خلقه تعالى وإنشاؤه على سبيل القدرة والاختيار؛ إذ لو كان على الإيجاب لزم تخلّف المعلول على الموجب التامّ، وهو مُحال .
ثمّ إنّه عليه السلام بعد تمهيد المقدّمات المذكورة أشار إلى جواب السائل بقوله : (ولو كان أوّلُ ما خلق من خلقه الشيء من الشيء) المتوقّف عليه خلق ذلك الشيء (إذا لم يكن له) أي للخلق وسلسلة الوجود (انقطاع أبدا) وهو ظاهر .
والحاصل أنّه لو كان كيفيّة الإيجاد والتأثير على ما زعمه الفلاسفة من أنّ كلّ حادث مسبوق بالمادّة، يلزم أن لا يتحقّق شيء من المخلوقات، وهو أوّل الأشياء، فيلزم وجود قديم سوى اللّه ـ عزّ وجلّ ـ وهو محال ، كما أشار إليه بقوله : (ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء ليس هو يتقدّمه) سواء اُسند ذلك الشيء إليه تعالى، أو إلى غيره، أو لم يسند إلى علّة أصلاً، وإن كان المفروض هو الأوّل؛ لظهور بطلان الأخيرين ، على أنّ الظاهر أن لا قائل بهما .
وقوله : (ولكنّه كان ؛ إذ لا شيء غيره) ؛ إشارة إلى كبرى القياس الأخير .
وفي توحيد الصدوق بعد قوله : «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» : «و كان خالقا ولا مخلوق ، فأوّل شيء خَلَقه من خَلْقهِ الشيء الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء ». فقال السائل : فالشيء خلقه من شيء، أو من لا شيء؟ فقال : «خلق الشيء لا من شيء كان قبله، ولو خلق الشيء من شيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا، ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء، ولكن كان اللّه ولا شيء معه، فخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء» . ۱
وكان هذه الزوائد سقط هنا من النسّاخ .
ولا يخفى على من له أدنى مسكة أنّ هذا الخبر وأمثاله صريح في الدلالة على حدوث العالم بالمعنى الذي أجمع عليه أهل الملل والشرائع ؛ أعني الكون بعد أن لم يكن في الخارج، لا الحدوث الذاتي فقط، كما ذهب إليه الفلاسفة ومن يقول بمقالتهم ، ولكن «مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَا هَادِىَ لَهُ» . ۲
(فجعل نسب كلّ شيء إلى الماء) ؛ بأن خلق جميعه منه، وجعله مادّة له.
وأصل النسب، بالتحريك: القرابة، كالنسبة، بالضمّ والكسر .

1.التوحيد ، ص ۶۶ ، ح ۲۰ .

2.الأعراف (۷) : ۱۸۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
132

وأنّه لا مثل له ولا نظير له . وقد يُقال للملِك، كما قال إخوة يوسف: «يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ»۱ أي يا أيّها الملك» . ۲
(ولا أحد كان قبل عزّه) أي لم يكن قبل عزّته أحد يكون عزّته به، فلو كان أوّل ما خلقه من أصلٍ قديم لم يزل معه تعالى، فإن كان ذلك الأصل منه لزم أن يكون معه شيء في الأزل، وإن كان من غيره لزم أن يكون قبل عزّه أحدٌ أعزُّ منه، وهو سبحانه يتبع أثره. وكلاهما باطل ، واستدلّ عليه بقوله : (وذلك قوله : «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» ) ۳ ؛ إذ يدلّ ذلك على أنّه تعالى سبب كلّ عزّة، فلو كان عزّته بغيره كان ذلك الغير ربّ العزّة .
ووجه الدلالة أنّ إضافة الربّ إلى العزّة المطلقة تفيد اختصاصها به ـ كما هو شأن الإضافة ـ وتنزيهُهُ عن كلّ وصف لا يليق به يفيد ثبوتَ كلِّ كمالٍ له، وسلبَ كلّ نقصٍ عنه سبحانه . وكلّ منهما يستلزم انفراده في القدم والعزّة المطلقة .
وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله : «وكان عزيزا ولا عِزّ ؛ لأنّه كان قبل عِزّه، وذلك قوله» إلى آخره . ۴
قيل : لعلّ المراد حينئذٍ أنّه كان غالبا وعزيزا قبل أن يظهر عزّه وغلبته على الأشياء بخلقها، ولذا قال: «ربّ العزّة»؛ إذ فعليّة العزّة وظهورها مُسبَّب عنه تعالى . انتهى . ۵
والأظهر أن يُقال: معناه أنّه تعالى كان عزيزا بالعزّة الذاتيّة الحقيقيّة المطلقة، ولا عزّ بالإضافة إلى الغير؛ لأنّه سبحانه كان قبل عزّه الإضافيّة؛ ۶ فإنّ تحقّق هذا العزّ إنّما هو بعد وجود الأشياء واعتبارها .
ثمّ أشار عليه السلام إلى كبرى الدليل بقوله : (وكان الخالق قبل المخلوق) ؛ وصورة الاستدلال: أنّه تعالى خلق كلّ عزّة مقدّمة على وجود ذي العزّة الذي هو المخلوق ، والخالق يجب وجوده قبل المخلوق، فيجب وجوده تعالى قبل كان مخلوقا لا قبليّة مكانيّة فقط ، بل قبليّة زمانيّة متوهّمة أيضا، وإلّا لزمت مشاركة الغير معه في القدم، فلا يتصوّر حينئذٍ معنى الإيجاد

1.يوسف (۱۲) : ۷۸ و ۸۸ .

2.عدّة الداعي ، ص ۳۰۵ (مع التلخيص) .

3.الصافّات (۳۷) : ۱۸۰ .

4.التوحيد ، ص ۶۶ ، ح ۲۰ .

5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۲۶ .

6.كذا. والصحيح: «عزّته الإضافيّته، أو عزّه الإضافي».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 159848
صفحه از 624
پرینت  ارسال به