والتأثير بالنسبة إلى ذلك الغير، ويلزم منه أن يكون خلقه تعالى وإنشاؤه على سبيل القدرة والاختيار؛ إذ لو كان على الإيجاب لزم تخلّف المعلول على الموجب التامّ، وهو مُحال .
ثمّ إنّه عليه السلام بعد تمهيد المقدّمات المذكورة أشار إلى جواب السائل بقوله : (ولو كان أوّلُ ما خلق من خلقه الشيء من الشيء) المتوقّف عليه خلق ذلك الشيء (إذا لم يكن له) أي للخلق وسلسلة الوجود (انقطاع أبدا) وهو ظاهر .
والحاصل أنّه لو كان كيفيّة الإيجاد والتأثير على ما زعمه الفلاسفة من أنّ كلّ حادث مسبوق بالمادّة، يلزم أن لا يتحقّق شيء من المخلوقات، وهو أوّل الأشياء، فيلزم وجود قديم سوى اللّه ـ عزّ وجلّ ـ وهو محال ، كما أشار إليه بقوله : (ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء ليس هو يتقدّمه) سواء اُسند ذلك الشيء إليه تعالى، أو إلى غيره، أو لم يسند إلى علّة أصلاً، وإن كان المفروض هو الأوّل؛ لظهور بطلان الأخيرين ، على أنّ الظاهر أن لا قائل بهما .
وقوله : (ولكنّه كان ؛ إذ لا شيء غيره) ؛ إشارة إلى كبرى القياس الأخير .
وفي توحيد الصدوق بعد قوله : «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» : «و كان خالقا ولا مخلوق ، فأوّل شيء خَلَقه من خَلْقهِ الشيء الذي جميع الأشياء منه، وهو الماء ». فقال السائل : فالشيء خلقه من شيء، أو من لا شيء؟ فقال : «خلق الشيء لا من شيء كان قبله، ولو خلق الشيء من شيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا، ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء، ولكن كان اللّه ولا شيء معه، فخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء» . ۱
وكان هذه الزوائد سقط هنا من النسّاخ .
ولا يخفى على من له أدنى مسكة أنّ هذا الخبر وأمثاله صريح في الدلالة على حدوث العالم بالمعنى الذي أجمع عليه أهل الملل والشرائع ؛ أعني الكون بعد أن لم يكن في الخارج، لا الحدوث الذاتي فقط، كما ذهب إليه الفلاسفة ومن يقول بمقالتهم ، ولكن «مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَا هَادِىَ لَهُ» . ۲
(فجعل نسب كلّ شيء إلى الماء) ؛ بأن خلق جميعه منه، وجعله مادّة له.
وأصل النسب، بالتحريك: القرابة، كالنسبة، بالضمّ والكسر .