الماء حتّى صار موجا، ثمّ أزبد، فصار زَبَدا واحدا، فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلاً من زَبَد، ثمّ دحى الأرض من تحته ، فقال اللّه تبارك وتعالى : «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا»۱ » . ۲
و في خبر آخر ، قال أبو عبداللّه لأبرش : «ثمّ مكث الربّ ـ تبارك وتعالى ـ ما شاء، فلمّا أراد أن يخلق السماء أمر الرِّياح، فضربت البحور حتّى أزبَدتْ بها، فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر، فأجراها في الفلك» الحديث . ۳
فلعلّ المراد بقوله عليه السلام : «من غير نار» أنّه لم يتصاعد مع ذلك الدخان أجزاء ناريّة . وقيل : أو كون ارتفاع الدخان بعد خمود النار. ۴ وهو ينافي الحديث الآتي بعد هذا الحديث .
فالصحيح الأوّل، فلا منافاة، ولا يحتاج إلى ما قيل من أنّ المراد بالدخان هنا البخار المتصاعد عن وجه الماء الحادث بسبب حركته بتحريك الريح له، وليس محمولاً على حقيقته ؛ لأنّه إنّما يكون من النار، ولا نار هناك، وإنّما سمّي البخار دخانا من باب الاستعارة؛ للتشابه بينهما في الصورة ؛ لأنّ البخار أجزاء مائيّة، خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة ، كما أنّ الدخان أجزاء مائيّة انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حرارة النار .
وقوله تعالى : «رَفَعَ سَمْكَهَا» .
قال البيضاوي : «أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض، أو ثخنها الذاهب في العلوّ رفيعا» . ۵
و في القاموس : «سَمكه سَمْكا: رفعه. والسمك: السقف، أو من أعلى البيت إلى أسفله، والقامة من كلّ شيء» . ۶
1.آل عمران (۳) : ۹۶ .
2.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۶۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۷۲ ، ح ۴۶ .
3.اُنظر المصادر السالفة .
4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۲۸ .
5.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۴۴۸ .
6.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۰۷ (سمك) .