135
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

الماء حتّى صار موجا، ثمّ أزبد، فصار زَبَدا واحدا، فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلاً من زَبَد، ثمّ دحى الأرض من تحته ، فقال اللّه تبارك وتعالى : «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا»۱ » . ۲
و في خبر آخر ، قال أبو عبداللّه لأبرش : «ثمّ مكث الربّ ـ تبارك وتعالى ـ ما شاء، فلمّا أراد أن يخلق السماء أمر الرِّياح، فضربت البحور حتّى أزبَدتْ بها، فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر، فأجراها في الفلك» الحديث . ۳
فلعلّ المراد بقوله عليه السلام : «من غير نار» أنّه لم يتصاعد مع ذلك الدخان أجزاء ناريّة . وقيل : أو كون ارتفاع الدخان بعد خمود النار. ۴ وهو ينافي الحديث الآتي بعد هذا الحديث .
فالصحيح الأوّل، فلا منافاة، ولا يحتاج إلى ما قيل من أنّ المراد بالدخان هنا البخار المتصاعد عن وجه الماء الحادث بسبب حركته بتحريك الريح له، وليس محمولاً على حقيقته ؛ لأنّه إنّما يكون من النار، ولا نار هناك، وإنّما سمّي البخار دخانا من باب الاستعارة؛ للتشابه بينهما في الصورة ؛ لأنّ البخار أجزاء مائيّة، خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة ، كما أنّ الدخان أجزاء مائيّة انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حرارة النار .
وقوله تعالى : «رَفَعَ سَمْكَهَا» .
قال البيضاوي : «أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض، أو ثخنها الذاهب في العلوّ رفيعا» . ۵
و في القاموس : «سَمكه سَمْكا: رفعه. والسمك: السقف، أو من أعلى البيت إلى أسفله، والقامة من كلّ شيء» . ۶

1.آل عمران (۳) : ۹۶ .

2.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۶۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۷۲ ، ح ۴۶ .

3.اُنظر المصادر السالفة .

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۲۸ .

5.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۴۴۸ .

6.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۰۷ (سمك) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
134

(و لم يجعل للماء نسبا يُضاف إليه) ؛ بأن جعل له مادّة خلقه منها .
و كأنّه إشارة إلى قوله تعالى : «وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَىٍّ»۱ إن اُريد بالحياة أصل الوجود والظهور من العدم .
وقوله : (فشقّقت الريح متنَ الماء) .
التشقيق والشقّ: الخرق، والتفريق. والمتن: ما صلب من الأرض وارتفع .
(حتّى ثار من الماء زَبَد على قدر ما شاء أن يَثور) .
الثور: الهيجان، والوثب، والسطوع . والزَّبَد ـ محرّكة ـ للماء وغيره .
وقوله : (ليس فيها صَدْع و لا ثَقْب) .
الصَّدع: الشقّ في شيءٍ صلب . والثَّقب: الخرق النافذ .
وقوله : (ثمّ طَواها) ؛ يُقال : طوى الصحيفة ـ كرمى ـ فأطوى وانطوى .
(فوضعها فوقَ الماء) أي جمعها، فوضعها موضع البيت، كما ورد في خبر أبرش . ۲
(ثمّ خلق اللّه النار من الماء) .
لا ينبغي أن يستبعد ذلك من قدرته الكاملة؛ فإنّه ـ عزّ وجلّ ـ هو الذي جعل من الشجر الأخضر نارا، ومن صدمات أجزاء السحاب الماطر برقا .
(فشقّقت النار متن الماء) ، وسخّنه تسخينا شديدا .
(حتّى ثار من الماء دُخان) إلى قوله : (سماء صافية نقيّة) .
يفهم من ظاهره أنّ السماء مخلوقة من الدخان ، وكذا من قوله تعالى : «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ»۳ ، وأنّ المراد بالنار والدخان معناهما الحقيقي ، لكن ورد في بعض الأخبار مَا يوهم خلافه .
روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره أنّه قال أبو عبداللّه عليه السلام لأبرش الكلبي : «يا أبرش، هو كما وصف نفسه، كان عرشه على الماء، والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ، ولم يكن يومئذٍ خلق غيرهما، والماء يومئذٍ عذب فرات ، فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح، فضربت

1.الأنبياء (۲۲) : ۳۰ .

2.اُنظر : تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۶۹ .

3.فصّلت (۴۱) : ۱۱ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 159838
صفحه از 624
پرینت  ارسال به