161
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

قال البيضاوي :
أراهم أنّه استدلّ بالنجوم؛ لأنّهم كانوا منجّمين، على أنّه مشارف للسقم لئلّا يخرجوه إلى معبدهم؛ فإنّه كان أغلب أسقامهم الطاعون، وكانوا يخافون العَدْوي، أو أراد: أنّي سقيم القلب لكفركم، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا، قلّ من يخلو منه، أو بصدد الموت . ومنه المثل : «كفى بالسلامة داءً» انتهى . ۱
وقيل : كانت الحمّى تأخذه عند طلوع نجم معلوم، فلمّا رآه اعتذر بعادته . وقيل : عرّض بسقم حجّته عليهم، وضعّف ما أراد بيانه لهم من جهة النجوم التي كانوا يشتغلون بها، ويعتقدون أنّها تضرّ وتنفع . ۲
وقيل : يحتمل أن يراد به سقم قلبه خوفا من أن لا تؤثّر حجّته في قلوبهم، وأن يراد به ما طرأ عليه بإرادة كسر آلهتهم من الخوف في مآل أمره . ۳
والأصحّ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه أراد به انكسار قلبه وحزنه؛ لما رأى من ملاحظة النجوم ما يرد على الحسين عليه السلام . ۴
(و ما كان سقيما) بما فهموه من كلامه .
(و ما كذب) ؛ لأنّه قصد التورية بذلك؛ لمصلحة دعته إليها، وهي أن يتخلّف عنهم ويخلو بأصنامهم، وفعل بها ما أراد .
وقوله : «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» .
قال البيضاوي :
اُسند الفعل إليه تجوّزا؛ لأنّ غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له سببٌ لمباشرته إيّاه، أو تقريرا لنفسه مع الاستهزاء، والتبكيت على اُسلوب تعريضي، كما لو قال : لك من لا يُحسِن الخطّ ، فيما كتبته بخطٍّ رشيق: «أ أنت كتبت [هذا]؟» فقلت : «بل كتبته [أنت]» . أو حكاية لما يلزم من مذهبهم جوازه .
وقيل : إنّه في المعنى متعلّق بقوله : «إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ»۵ ، وما بينهما اعتراض ، أو

1.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۱۷ و ۱۸ .

2.اُنظر : شرح المازندراني ، ج ۱۲ ، ص ۷۰ .

3.احتمله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۷۰ .

4.لم نعثر على الرواية في موضع . وانظر : شرح المازندراني ، ج ۱۲ ، ص ۷۰ .

5.الأنبياء (۲۱) : ۶۳ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
160

إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «إِنِّي سَقِيمٌ»۱ ، وَمَا كَانَ سَقِيما، وَمَا كَذَبَ، وَلَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام : «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا»۲ وَمَا فَعَلَهُ، وَمَا كَذَبَ، وَلَقَدْ قَالَ يُوسُفُ عليه السلام : «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ»۳ ، وَاللّهِ مَا كَانُوا سَارِقِينَ، وَمَا كَذَبَ».

شرح

السند ضعيف .
قوله : (سالم بن أبي حفصة) .
قال الكشّي : «إنّه زيدي بتريّ من رؤسائهم . وروى في ذمّه روايات» ۴ . وقال العلّامة في حقّه : «لعنه الصادق عليه السلام ، وكذّبه ، وكفّره» . ۵
وقوله : (يَروون عنك أنّك تكلّم على سبعين وجها) .
قيل : أي على وجه المصلحة والتقيّة ۶ . ولا يخفى بُعد هذا التوجيه وعدم انطباقه بقوله عليه السلام : (ما يريد سالم منّي . . .) ، والأقرب أن يُقال: إنّهم يقولون: إنّك تتكلّم بالكذب في مطلب واحد كثيرا، وكأنّ ذكر السبعين لبيان الكثرة، لا خصوص العدد .
وقوله : (أن أجيء بالملائكة) ليشهدوا أنّي لا أكذب .
(و اللّه ما جاءت بهذا النبيّون) ؛ لإثبات صدقهم، مع كثرة احتياجهم إلى ظهور الأمر ووفور المعجزات .
ثمّ استشهد عليه السلام لما توهّمه سالم وأصحابه من كون الكلام ذي الوجوه المختلفة كذبا، أو فيه شوب كذب، ولا يليق بالإمام ، بأنّ مثل هذا صدر عن النبيّين مرارا ، ومعلوم أنّه ليس بكذب، ولا قبح فيه ، بل قد يجب للضرورة والمصلحة ، كالتقيّة ، والتعريض ، وإصلاح ذات البين ، ونحوها .
فقال : (و لقد قال إبراهيم عليه السلام «إِنِّى سَقِيمٌ» ).
قال هذا، وأراد غير ما فهّموه منه؛ لمصلحة دعته إلى إيراد مثل هذا الكلام .

1.الصافّات (۳۷) : ۸۹ .

2.الأنبياء (۲۱) : ۶۳ .

3.يوسف (۱۲) : ۷۰ .

4.اُنظر : رجال الكشّي ، ص ۲۳۳ - ۲۴۵ ، ح ۴۲۳ - ۴۲۸ .

5.رجال العلّامة ، ص ۲۲۷ .

6.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۴۱ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 161261
صفحه از 624
پرینت  ارسال به