وقوله : (هذا واللّه أحبُّ إليّ ...) . أمرها عليه السلام أوّلاً بولايتهما تقيّة، ثمّ لمّا بالغت في السؤال أثبت لعنهما، وجواب التبرّي منهما كناية بأن لم يتعرّض بقول كثير النواء ، بل قال أبو بصير: أحبّ إليّ منه، ثمّ بيّن وجه كونه أحبَّ ووجوب الأخذ بقوله ، فقال : (إنّ هذا يخاصم) إلى آخره .
قال بعض الأفاضل :
يعني أنّ أبا بصير يقول : إنّ كثير النواء يفتي، ويحكم بين الناس بغير الحقّ، ويثبت بالآيات المذكورة كفره وظلمه وفسقه ، فأشار عليه السلام في كلامه هذا ضمنا إلى كفر الملعونين ، ووجوب البراءة منهما بوجهين :
الأوّل : أنّ محبوبيّة أبي بصير يستلزم صدقه في أمره بالبراءة منهما .
والثاني : أنّ العلّة التي بها أثبت كفر كثير النواء مشترك بينه وبينهما، فبها أيضا ثبت كفرهما وظلمهما وفسقهما. وهذا نوع من معاريض الكلام التي أشار أبو جعفر عليه السلام إليها في الخبر السابق .
قال :
ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام أنّ قول هذا أحبّ إليّ؛ لأنّه يستدلّ على كفر الأوّل والثاني بهذه الآيات، ويخاصم في ذلك كثير النواء، ويغلب عليه، ويخصمه، لكنّه عليه السلام أدّى ذلك بعبارة يكون له منها المخرج بالحمل على المعنى الأوّل عند الضرورة .
وقال الفاضل الإسترآبادي : معناه أنّ أبا بصير يخاصم علماء العامّة من جهتنا بهذه الآيات الشريفة ، وملخّص خصومته أنّ هذه الآيات صريحة في أنّ من أفتى في واقعة بغير ما أنزل اللّه فيها كافر ظالم فاسق ، فعلم من ذلك أنّ للّه تعالى في الأرض دائما رجلاً عالما بما أنزل اللّه في كلّ واقعة . ومن المعلوم أنّ أرباب الاجتهادات الظنّيّة غير عالمين بما أنزل اللّه في كلّ واقعة ، ومن ثمّ تقع بينهم الاختلافات في الفتاوى والأحكام، فتعيّن أن يكون في الأرض دائما رجل لم يكن حكمه من باب الاجتهاد، بل يكون من باب الوحي في كلّ واقعة، وباتّفاق الخصمين غير الأئمّة الاثني عشر ـ صلوات اللّه عليهم ـ لم يعلم ما أنزله اللّه في كلّ واقعة، فتعيّن أن يكونوا منصوبين من عنده تعالى لأجل الإفتاء والحكم والحدود وغير ذلك . ۱