165
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقوله : (هذا واللّه أحبُّ إليّ ...) . أمرها عليه السلام أوّلاً بولايتهما تقيّة، ثمّ لمّا بالغت في السؤال أثبت لعنهما، وجواب التبرّي منهما كناية بأن لم يتعرّض بقول كثير النواء ، بل قال أبو بصير: أحبّ إليّ منه، ثمّ بيّن وجه كونه أحبَّ ووجوب الأخذ بقوله ، فقال : (إنّ هذا يخاصم) إلى آخره .
قال بعض الأفاضل :
يعني أنّ أبا بصير يقول : إنّ كثير النواء يفتي، ويحكم بين الناس بغير الحقّ، ويثبت بالآيات المذكورة كفره وظلمه وفسقه ، فأشار عليه السلام في كلامه هذا ضمنا إلى كفر الملعونين ، ووجوب البراءة منهما بوجهين :
الأوّل : أنّ محبوبيّة أبي بصير يستلزم صدقه في أمره بالبراءة منهما .
والثاني : أنّ العلّة التي بها أثبت كفر كثير النواء مشترك بينه وبينهما، فبها أيضا ثبت كفرهما وظلمهما وفسقهما. وهذا نوع من معاريض الكلام التي أشار أبو جعفر عليه السلام إليها في الخبر السابق .
قال :
ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام أنّ قول هذا أحبّ إليّ؛ لأنّه يستدلّ على كفر الأوّل والثاني بهذه الآيات، ويخاصم في ذلك كثير النواء، ويغلب عليه، ويخصمه، لكنّه عليه السلام أدّى ذلك بعبارة يكون له منها المخرج بالحمل على المعنى الأوّل عند الضرورة .
وقال الفاضل الإسترآبادي : معناه أنّ أبا بصير يخاصم علماء العامّة من جهتنا بهذه الآيات الشريفة ، وملخّص خصومته أنّ هذه الآيات صريحة في أنّ من أفتى في واقعة بغير ما أنزل اللّه فيها كافر ظالم فاسق ، فعلم من ذلك أنّ للّه تعالى في الأرض دائما رجلاً عالما بما أنزل اللّه في كلّ واقعة . ومن المعلوم أنّ أرباب الاجتهادات الظنّيّة غير عالمين بما أنزل اللّه في كلّ واقعة ، ومن ثمّ تقع بينهم الاختلافات في الفتاوى والأحكام، فتعيّن أن يكون في الأرض دائما رجل لم يكن حكمه من باب الاجتهاد، بل يكون من باب الوحي في كلّ واقعة، وباتّفاق الخصمين غير الأئمّة الاثني عشر ـ صلوات اللّه عليهم ـ لم يعلم ما أنزله اللّه في كلّ واقعة، فتعيّن أن يكونوا منصوبين من عنده تعالى لأجل الإفتاء والحكم والحدود وغير ذلك . ۱

1.القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۴۴ و ۲۴۵ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
164

قيل: كان والي العراق بعد الحجّاج في زمن دولة بني مروان ، وهو الذي قاتل زيد بن عليّ عليهماالسلام . ۱
وقوله : (و أجلَسَني معه على الطِّنفسة) .
الضمير المستتر والبارز لأبي عبد اللّه عليه السلام ، وكأنّه عليه السلام فعل ذلك؛ ليظهر للمرأة مكان أبي بصير ومنزلته عنده عليه السلام ، وتعتمد بقوله .
قال الفيروزآبادي : «الطنفسة، مثلّثة الطاء والفاء، وبكسر الطاء وفتح الفاء، وبالعكس: واحدة الطنافس للبسط والثياب، والحصير من سعف عرضه ذراع» . ۲
وقوله : (فسألته عنهما) أي الأوّل والثاني.
وقوله : (تولَّيهما) على صيغة المفرد المؤنّث عن الأمر . يُقال : تولّاه، إذا اتّخذه وليّا، وأحبّه ، وكأنّه عليه السلام اتّقى منها .
وقوله : (و كثير النواء) .
قال الكشّي : «إنّه بتري». ۳ وقال البرقي : «عامّي» . ۴ وروى الكشّي بإسناده عن أبي بكر الحضرمي، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «اللّهمّ إنّي إليك من كثير النواء بريء في الدنيا والآخرة» . ۵
وروى بإسناده عن سدير، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، ومعي سلمة بن كهيل، وأبو المقدام ثابت الحدّاد ، وسالم بن أبي حفصة ، وكثير النواء . وجماعة معهم ، وعند أبي جعفر عليه السلام أخوه زيد بن عليّ، فقالوا لأبي جعفر عليه السلام : نتولّى عليّا وحسنا وحسينا، ونتبرّأ من أعدائهم ؟
قال : «نعم» ، قالوا : نتولّى الأوّل والثاني، ونتبرّأ من أعدائهما؟
قال : فالتفت إليهم زيد بن عليّ، وقال لهم : أتبرّؤون من فاطمة، بتّرتم أمرنا بتّركم اللّه ، فيومئذٍ سمّوا البتريّة . ۶

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۲۶ .

2.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۲۲۷ (طنفس) .

3.رجال الكشّي ، ص ۲۳۳ .

4.رجال البرقي ، ص ۴۲ .

5.رجال الكشّي ، ص ۲۴۱ ، ح ۴۴۰ .

6.رجال الكشّي ، ص ۲۳۶ ، ح ۴۲۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۶۹ ، ص ۱۷۸ ، ح ۱ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 159831
صفحه از 624
پرینت  ارسال به