183
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

بالحسنات أو السيّئات ، وإن أوهم ظاهر قوله : «ولا يجوز هذه العقبة» خلافه . ۱ فتأمّل جدّا .
(فيركب بعضهم بعضا) من الكثرة وضيق المسلك .
(ويزدحمون) أي يدفع بعضهم بعضا .
قال الفيروزآبادي : «زحمه ـ كمنعه ـ زحما وزحاما، بالكسر: ضايقه . وازدحم القوم وتزاحموا» . ۲
(فيُمنعون من المُضيّ) على بناء المجهول، وذلك لازدحامهم، ولخروج عن عهدة المظالم .
(فتَشتدّ أنفاسهم) جمع النفس بالتحريك .
(ويَكثُر عَرَقهم) .
في القاموس: «العرق، محرّكة: رشح جلد الحيوان، ويستعار لغيره . ورجلٌ عُرَق، كصُرد: كثيره» . ۳
وقيل:
في كتاب مسلم عن المقداد بن أسود، قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق كمقدار ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يُلجمُهُ العرقُ إلجاما» ، وأشار رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى فِيه . ۴
وفي رواية اُخرى، قال : «إنّ العرق ليذهب في الأرض سبعين باعا، وأنّه ليبلغ إلى أفواه الناس وإلى آذانهم» .
قال عياض : يُحتمل أنّه عرق نفسه بقدر خوفه لما شاهد من الأهوال . ويحتمل أنّه عرق نفسه وعرق غيره يختلط، ويصير لكلّ بقدر عمله، وهذا للازدحام وانضمام بعضهم إلى بعض، حتّى يصير العرق بينهم سائحا على وجه الأرض . ۵
وقال القرطبي : العرق: للزحام، ودنوّ الشمس، حتّى تغلى منها الرؤوس وحرارة

1.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۳۳ .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۲۴ (زحم) .

3.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۲۶۲ (عرق) .

4.راجع : صحيح مسلم ، ج ۸ ، ص ۱۵۸ ؛ فتح الباري ، ج ۱۱ ، ص ۳۴۱ ؛ رياض الصالحين للنووي ، ص ۲۳۵ ؛ كنزل العمّال ، ج ۱۴ ، ص ۳۵۶ ، ح ۳۸۹۲۱ .

5.اُنظر : فتح الباري ، ج ۱۱ ، ص ۳۴۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
182

ويُمسي معهم حيث أمسوا» . ۱
وفي رواية اُخرى في ذكر أشراط الساعة عنه صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن تطرد الناس إلى محشرهم» . ۲
والثاني : أن يكون المراد أنّه إذا حصل لهم نور يمشون فيه، وإذا أحاطت بهم الظلمة يقفون ويتحيّرون .
والثالث : أن يكون المراد بالنور الملائكة؛ أي تسوقهم الملائكة وهم في الظلمة .
والرابع : أن يكون المراد بالنور الإيمان وتوابعه من العبادات؛ لأنّها أنوار تسعى بين يدي صاحبها يوم القيامة، وهم يمشون على أثرها ، وبالظلمة الكفر والشرك ولواحقهما من المعاصي والذنوب . والمعنى أنّ من كان له ذلك النور يمشي ، ومن لم يكن له ذلك يقف ويبقى متحيّرا .
وعلى التقادير نسبته إلى النور مجاز باعتبار كونه سببا لمشيهم، وهاديا لهم . ونسبة الجمع إلى الظلمة؛ لكونها منشأً لحيرتهم واجتماعهم . ۳
(حتّى يقفوا على عقبة المحشر) .
العقبة، بالتحريك: مرقى صعب من الجبال . قيل : في المحشر عقبات مخوفة ومنازل مهولة هي عقبات الفرائض ومنازل الأخلاق ، سمّيت عقبة؛ لشدّة المرور عليها، وصعوبة التخلّص من شدائدها ، وكان المراد بهذه العقبة عقبة الإيمان ومظالم الخلق ؛ ويرشد إلى الأوّل قوله فيما بعد : «يقول الكافر: «هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» » ، وإلى الثاني قوله : «ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم» إلى آخره . فالكفّار يسلكون طريق جهنّم من هذه العقبة .
والظاهر من السياق أنّ من المسلمين من عنده مظلمة يجوز هذه العقبة، وإن لم يقع العفو منها بعدُ، ولكن لا يدخل الجنّة حتّى يخرج من عهدة الحسنات، ويقع التقاصّ

1.اُنظر : مسند أحمد، ج ۷ ، ص ۷ ؛ صحيح البخاري ، ج ۷ ، ص ۱۹۴ ؛ صحيح مسلم ، ج ۸ ، ص ۱۵۷ ؛ سنن الترمذي ، ج ۳ ، ص ۳۲۳ ؛ سنن النسائي ، ج ۴ ، ص ۱۱۶ .

2.اُنظر : شرح مسلم للنووي ، ج ۱۷ ، ص ۱۹۵ ؛ فتح الباري ، ج ۱۱ ، ص ۳۲۶ ؛ السنن الكبرى ، ج ۶ ، ص ۴۲۴ .

3.راجع : مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۵۳ و ۲۵۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 161296
صفحه از 624
پرینت  ارسال به