219
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً، فَأَمَرَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَرَفَعَ خَمْسا وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، وَالسُّنَّةُ الْيَوْمَ فِينَا خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَدْ كَانَ يُكَبَّرُ عَلى أَهْلِ بَدْرٍ تِسْعا وَسَبْعا.
ثُمَّ إِنَّ هِبَةَ اللّهِ لَمَّا دَفَنَ أَبَاهُ أَتَاهُ قَابِيلُ، فَقَالَ: يَا هِبَةَ اللّهِ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَبِي آدَمَ قَدْ خَصَّكَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ أُخَصَّ بِهِ أَنَا، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي دَعَا بِهِ أَخُوكَ هَابِيلُ، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، وَإِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِكَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ فَيَفْتَخِرُونَ عَلى عَقِبِي، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، وَأَنْتُمْ أَبْنَاءُ الَّذِي تُرِكَ قُرْبَانُهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أَظْهَرْتَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي اخْتَصَّكَ بِهِ أَبُوكَ شَيْئا، قَتَلْتُكَ كَمَا قَتَلْتُ أَخَاكَ هَابِيلَ.
فَلَبِثَ هِبَةُ اللّهِ وَالْعَقِبُ مِنْهُ مُسْتَخْفِينَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْاءِيمَانِ وَالأْمِ الْأَكْبَرِ وَمِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، حَتّى بَعَثَ اللّهُ نُوحا عليه السلام ، وَظَهَرَتْ وَصِيَّةُ هِبَةِ اللّهِ حِينَ نَظَرُوا فِي وَصِيَّةِ آدَمَ عليه السلام ، فَوَجَدُوا نُوحا عليه السلام نَبِيّا قَدْ بَشَّرَ بِهِ آدَمُ عليه السلام ، فَآمَنُوا بِهِ، وَاتَّبَعُوهُ، وَصَدَّقُوهُ.
وَقَدْ كَانَ آدَمُ عليه السلام وَصّى هِبَةَ اللّهِ أَنْ يَتَعَاهَدَ هذِهِ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ، فَيَكُونَ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَيَتَعَاهَدُونَ نُوحا وَزَمَانَهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ، وَكَذلِكَ جَاءَ فِي وَصِيَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، وَإِنَّمَا عَرَفُوا نُوحا بِالْعِلْمِ الَّذِي عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحا إِلى قَوْمِهِ»۱ إِلى آخِرِ الْايَةِ.
وَكَانَ مَنْ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَخْفِينَ، وَلِذلِكَ خَفِيَ ذِكْرُهُمْ فِي الْقُرْآنِ، فَلَمْ يُسَمَّوْا كَمَا سُمِّيَ مَنِ اسْتَعْلَنَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ»۲ ؛ يَعْنِي لَمْ أُسَمِّ الْمُسْتَخْفِينَ، كَمَا سَمَّيْتُ الْمُسْتَعْلِنِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَمَكَثَ نُوحٌ عليه السلام فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاما، لَمْ يُشَارِكْهُ فِي نُبُوَّتِهِ أَحَدٌ، وَلكِنَّهُ قَدِمَ عَلى قَوْمٍ مُكَذِّبِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ»۳ ؛ يَعْنِي مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، إِلى أَنِ انْتَهى إِلى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»۴ .
ثُمَّ إِنَّ نُوحا عليه السلام لَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّتُهُ، وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ، أَوْحَى اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِلَيْهِ: أَنْ يَا نُوحُ، قَدْ

1.هود (۱۱) : ۲۵ ؛ المؤمنون (۲۳) : ۲۳ ؛ العنكبوت (۲۹) : ۱۴ .

2.النساء (۴) : ۱۶۴ .

3.الشعراء (۲۶) : ۱۰۵ .

4.الشعراء (۲۶) : ۱۲۲ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
218

فَقَالَ لَهُ: يَا قَابِيلُ، قَدْ تُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبَانُكَ، وَإِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَهُ يَكُونُ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلى عَقِبِكَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، فَاقْتُلْهُ؛ كَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ يَفْتَخِرُونَ عَلى عَقِبِكَ.
فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ قَابِيلُ إِلى آدَمَ عليه السلام ، قَالَ لَهُ: يَا قَابِيلُ، أَيْنَ هَابِيلُ؟ فَقَالَ: اطْلُبْهُ حَيْثُ قَرَّبْنَا الْقُرْبَانَ، فَانْطَلَقَ آدَمُ عليه السلام ، فَوَجَدَ هَابِيلَ قَتِيلاً، فَقَالَ آدَمُ عليه السلام : لُعِنْتِ مِنْ أَرْضٍ كَمَا قَبِلْتِ دَمَ هَابِيلَ، وَبَكى آدَمُ عليه السلام عَلى هَابِيلَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
ثُمَّ إِنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ وَلَدا، فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ، فَسَمَّاهُ هِبَةَ اللّهِ؛ لأنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَهَبَهُ لَهُ، وَأُخْتُهُ تَوْأَمٌ، فَلَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّةُ آدَمَ عليه السلام ، وَاسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ، أَوْحَى اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِلَيْهِ ۱ : أَنْ يَا آدَمُ، قَدِ انْقَضَتْ ۲
نُبُوَّتُكَ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ عِنْدَ هِبَةِ اللّهِ؛ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ الْعِلْمَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَآثَارَ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَنْ أَدَعَ الْأَرْضَ إِلَا وَفِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي، وَيُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي، وَيَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نُوحٍ، وَبَشَّرَ آدَمَ بِنُوحٍ عليه السلام ، فَقَالَ: إِنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ بَاعِثٌ نَبِيّا اسْمُهُ نُوحٌ، وَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَيُكَذِّبُهُ قَوْمُهُ، فَيُهْلِكُهُمُ اللّهُ بِالطُّوفَانِ، وَكَانَ بَيْنَ آدَمَ وَبَيْنَ نُوحٍ عليهماالسلام عَشَرَةُ آبَاءٍ أَنْبِيَاءُ وَأَوْصِيَاءُ كُلُّهُمْ.
وَأَوْصى آدَمُ عليه السلام إِلى هِبَةِ اللّهِ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ، وَلْيَتَّبِعْهُ، وَلْيُصَدِّقْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ يَنْجُو مِنَ الْغَرَقِ.
ثُمَّ إِنَّ آدَمَ عليه السلام مَرِضَ الْمَرْضَةَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، فَأَرْسَلَ هِبَةَ اللّهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ لَقِيتَ جَبْرَئِيلَ، أَوْ مَنْ لَقِيتَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامُ، وَقُلْ لَهُ: يَا جَبْرَئِيلُ، إِنَّ أَبِي يَسْتَهْدِيكَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: يَا هِبَةَ اللّهِ، إِنَّ أَبَاكَ قَدْ قُبِضَ، وَإِنَّا نَزَلْنَا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَارْجِعْ، فَرَجَعَ، فَوَجَدَ آدَمَ عليه السلام قَدْ قُبِضَ، فَأَرَاهُ جَبْرَئِيلُ كَيْفَ يُغَسِّلُهُ، فَغَسَّلَهُ حَتّى إِذَا بَلَغَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، قَالَ هِبَةُ اللّهِ: يَا جَبْرَئِيلُ، تَقَدَّمْ، فَصَلِّ عَلى آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: إِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَمَرَنَا أَنْ نَسْجُدَ لأبِيكَ آدَمَ، وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَؤُمَّ شَيْئا مِنْ وُلْدِهِ، فَتَقَدَّمَ هِبَةُ اللّهِ، فَصَلّى عَلى أَبِيهِ، وَجَبْرَئِيلُ خَلْفَهُ وَجُنُودُ الْمَلَائِكَةِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ

1.في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : ـ «إليه» .

2.في الحاشية عن بعض النسخ والوافي ومرآة العقول : «قضيت».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181281
صفحه از 624
پرینت  ارسال به