221
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

يَعْقُوبَ عليه السلام ، ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ يُوسُفَ فِي أَسْبَاطِ إِخْوَتِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلى مُوسى عليه السلام ، فَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَبَيْنَ مُوسى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَأَرْسَلَ اللّهُ مُوسى وَهَارُونَ عليهماالسلام إِلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، ثُمَّ أَرْسَلَ الرُّسُلَ تَتْرى، «كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضا وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ»۱ ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْتُلُ نَبِيّا وَاثْنَانِ قَائِمَانِ، وَيَقْتُلُونَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ قِيَامٌ، حَتّى أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا قَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ سَبْعِينَ نَبِيّا، وَيَقُومُ سُوقُ قَتْلِهِمْ آخِرَ النَّهَارِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلى مُوسى عليه السلام ، بَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَمُوسى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ وَصِيُّ مُوسى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ عليه السلام ، وَهُوَ فَتَاهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ تُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حَتّى بَعَثَ اللّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَبَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى: «يَجِدُونَهُ ـ يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارى ـ مَكْتُوبا ـ يَعْنِي صِفَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ـ عِنْدَهُمْ ـ يَعْنِي فِي التَّوْراةِ وَالْاءِنْجِيلِ ـ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ»۲ ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُخْبِرُ عَنْ عِيسى: «وَمُبَشِّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»۳ .
وَبَشَّرَ مُوسى وَعِيسى بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، كَمَا بَشَّرَ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتّى بَلَغَتْ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا قَضى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله نُبُوَّتَهُ، وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ، أَوْحَى اللّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِنِّي لَمْ أَقْطَعِ الْعِلْمَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِيكَ آدَمَ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»۴ .
وَإِنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ لَمْ يَجْعَلِ الْعِلْمَ جَهْلاً، وَلَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا إِلى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا ۵ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلكِنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ ۶ كَذَا وَكَذَا، فَأَمَرَهُمْ بِمَا يُحِبُّ،

1.المؤمنون (۲۳) : ۴۴ .

2.الأعراف (۷) : ۱۵۷ .

3.الصفّ (۶۱) : ۶ .

4.آل عمران (۳) : ۳۳ .

5.في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : + «إلى» .

6.في الحاشية عن بعض النسخ : + «له» .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
220

قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ؛ فَإِنِّي لَنْ ۱ أَقْطَعَهَا، كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، وَلَنْ أَدَعَ الْأَرْضَ إِلَا وَفِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي، وَتُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِي، وَيَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلى خُرُوجِ النَّبِيِّ الْاخَرِ، وَبَشَّرَ نُوحٌ سَاما بِهُودٍ عليه السلام ، وَكَانَ ۲ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَهُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، وَقَالَ نُوحٌ: إِنَّ اللّهَ بَاعِثٌ نَبِيّا يُقَالُ لَهُ: هُودٌ، وَإِنَّهُ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُكَذِّبُونَهُ، وَاللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مُهْلِكُهُمْ بِالرِّيحِ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ وَلْيَتَّبِعْهُ؛ فَإِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ، وَأَمَرَ نُوحٌ عليه السلام ابْنَهُ سَاما أَنْ يَتَعَاهَدَ هذِهِ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ، فَيَكُونَ يَوْمُئِذٍ عِيدا لَهُمْ، فَيَتَعَاهَدُونَ فِيهِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْاءِيمَانِ وَالأْمِ الْأَكْبَرِ وَمَوَارِيثِ الْعِلْمِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، فَوَجَدُوا هُودا نَبِيّا عليه السلام ، وَقَدْ بَشَّرَ بِهِ أَبُوهُمْ نُوحٌ عليه السلام ، فَآمَنُوا بِهِ، وَاتَّبَعُوهُ، وَصَدَّقُوهُ، فَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ الرِّيحِ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودا»۳ ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ»۴ ، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ»۵ ، وَقَوْلُهُ: «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنا» لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ «وَنُوحا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ»۶ لِنَجْعَلَهَا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وأَمَرَ الْعَقِبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام مَنْ كَانَ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ لأِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، وَكَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَهُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ»۷ ، وَقَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي»۸ ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»۹ .
فَجَرى بَيْنَ كُلِّ نَبِيَّيْنِ عَشَرَةُ أَنْبِيَاءَ وَتِسْعَةُ وَثَمَانِيَةُ أَنْبِيَاءَ كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءُ، وَجَرى لِكُلِّ نَبِيٍّ مَا جَرى لِنُوحٍ عليه السلام ، وَكَمَا جَرى لآِدَمَ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِبْرَاهِيمَ عليه السلام حَتَّى انْتَهَتْ إِلى يُوسُفَ بْنِ

1.في الحاشية عن بعض النسخ: «لم».

2.في الطبعة الجديدة و معظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «فكان» .

3.الأعراف (۷) : ۶۵ .

4.الشعراء (۲۶) : ۱۲۳ و ۱۲۴ .

5.البقرة (۲) : ۱۳۲ .

6.الأنعام (۶) : ۸۴ .

7.هود (۱۱) : ۸۹ .

8.العنكبوت (۲۹) : ۲۶ .

9.العنكبوت (۲۹) : ۱۶ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181053
صفحه از 624
پرینت  ارسال به