يَعْقُوبَ عليه السلام ، ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ يُوسُفَ فِي أَسْبَاطِ إِخْوَتِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلى مُوسى عليه السلام ، فَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَبَيْنَ مُوسى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، فَأَرْسَلَ اللّهُ مُوسى وَهَارُونَ عليهماالسلام إِلى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ، ثُمَّ أَرْسَلَ الرُّسُلَ تَتْرى، «كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضا وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ»۱ ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْتُلُ نَبِيّا وَاثْنَانِ قَائِمَانِ، وَيَقْتُلُونَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ قِيَامٌ، حَتّى أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا قَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ سَبْعِينَ نَبِيّا، وَيَقُومُ سُوقُ قَتْلِهِمْ آخِرَ النَّهَارِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلى مُوسى عليه السلام ، بَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَكَانَ بَيْنَ يُوسُفَ وَمُوسى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ وَصِيُّ مُوسى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ عليه السلام ، وَهُوَ فَتَاهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ تَزَلِ الْأَنْبِيَاءُ تُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حَتّى بَعَثَ اللّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَبَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى: «يَجِدُونَهُ ـ يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارى ـ مَكْتُوبا ـ يَعْنِي صِفَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ـ عِنْدَهُمْ ـ يَعْنِي فِي التَّوْراةِ وَالْاءِنْجِيلِ ـ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ»۲ ، وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُخْبِرُ عَنْ عِيسى: «وَمُبَشِّرا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»۳ .
وَبَشَّرَ مُوسى وَعِيسى بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، كَمَا بَشَّرَ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتّى بَلَغَتْ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا قَضى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله نُبُوَّتَهُ، وَاسْتُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ، أَوْحَى اللّهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ إِلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ، وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ؛ فَإِنِّي لَمْ أَقْطَعِ الْعِلْمَ وَالْاءِيمَانَ وَالأْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَبِيكَ آدَمَ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحا وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»۴ .
وَإِنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ لَمْ يَجْعَلِ الْعِلْمَ جَهْلاً، وَلَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا إِلى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا ۵ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَلكِنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ ۶ كَذَا وَكَذَا، فَأَمَرَهُمْ بِمَا يُحِبُّ،