وسهوا إلّا القاضي أبا بكر؛ فإنّه جوّز ما كان من ذلك على سبيل النسيان وفَلَتات اللِّسان .
وأمّا النوع الثالث ـ وهو ما يتعلّق بالفتيا ـ فأجمعوا على أنّه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا وسهوا إلّا شرذمة قليلة من العامّة .
وأمّا النوع الرابع ـ وهو الذي يقع في أفعالهم ـ فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال :
الأوّل : مذهب أصحابنا الإماميّة، وهو أنّه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة، لا عمدا ولا نسيانا، ولا للإسهاء من اللّه ، ولم يخالف فيه إلّا الصدوق وشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد؛ فإنّهما جوّزا الإسهاء، لا السهو الذي يكون من الشيطان .
الثاني : أنّه لا يجوز عليهم الكبائر، ويجوز عليهم الصغائر، إلّا الصغائر الخسيسة المنفّرة، كسرقة حبّة أو لقمة، وكلّ ما ينسب فاعله إلى الدناءة والضعة، وهذا قول أكثر المعتزلة .
الثالث : أنّه لا يجوز إتيانهم بصغيرة ولا كبيرة على جهة العمد، لكن يجوز على جهة التأويل أو السهو . وهو قول أبي عليّ الجبائي .
الرابع : أنّه لا يقع منهم الذنب إلّا على جهة السهو والخطأ، لكنّهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا، وإن كان موضوعا عن اُممهم؛ لقوّة معرفتهم وعلوّ مرتبتهم، وأنّهم يقدرون من التحفّظ على ما لا يقدر عليه غيرهم . وهو قول النظام، وجعفر بن مبشر، ومن تبعهما .
الخامس : أنّه يجوز عليهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا وخطأً . وهو قول الحشويّة، وكثير من أصحاب الحديث من العامّة .
ثمّ اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال :
الأوّل : أنّه من وقت ولادتهم إلى أن يَلقُوا اللّه سبحانه . وهو مذهب أصحابنا الإماميّة .
والثاني : أنّه من حين بلوغهم، ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوّة . وهو مذهب كثير من المعتزلة .
والثالث : أنّه وقت النبوّة ، وأمّا قبله فيجوز صدور المعصية عنهم . وهو قول أكثر الأشاعرة . وبه قال أبو هذيل، وأبو عليّ الجبائي من المعتزلة .
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ العمدة فيما اختاره أصحابنا قول أئمّتنا عليهم السلام ، وإجماع