225
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وسهوا إلّا القاضي أبا بكر؛ فإنّه جوّز ما كان من ذلك على سبيل النسيان وفَلَتات اللِّسان .
وأمّا النوع الثالث ـ وهو ما يتعلّق بالفتيا ـ فأجمعوا على أنّه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا وسهوا إلّا شرذمة قليلة من العامّة .
وأمّا النوع الرابع ـ وهو الذي يقع في أفعالهم ـ فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال :
الأوّل : مذهب أصحابنا الإماميّة، وهو أنّه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة، لا عمدا ولا نسيانا، ولا للإسهاء من اللّه ، ولم يخالف فيه إلّا الصدوق وشيخه محمّد بن الحسن بن الوليد؛ فإنّهما جوّزا الإسهاء، لا السهو الذي يكون من الشيطان .
الثاني : أنّه لا يجوز عليهم الكبائر، ويجوز عليهم الصغائر، إلّا الصغائر الخسيسة المنفّرة، كسرقة حبّة أو لقمة، وكلّ ما ينسب فاعله إلى الدناءة والضعة، وهذا قول أكثر المعتزلة .
الثالث : أنّه لا يجوز إتيانهم بصغيرة ولا كبيرة على جهة العمد، لكن يجوز على جهة التأويل أو السهو . وهو قول أبي عليّ الجبائي .
الرابع : أنّه لا يقع منهم الذنب إلّا على جهة السهو والخطأ، لكنّهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا، وإن كان موضوعا عن اُممهم؛ لقوّة معرفتهم وعلوّ مرتبتهم، وأنّهم يقدرون من التحفّظ على ما لا يقدر عليه غيرهم . وهو قول النظام، وجعفر بن مبشر، ومن تبعهما .
الخامس : أنّه يجوز عليهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا وخطأً . وهو قول الحشويّة، وكثير من أصحاب الحديث من العامّة .
ثمّ اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال :
الأوّل : أنّه من وقت ولادتهم إلى أن يَلقُوا اللّه سبحانه . وهو مذهب أصحابنا الإماميّة .
والثاني : أنّه من حين بلوغهم، ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوّة . وهو مذهب كثير من المعتزلة .
والثالث : أنّه وقت النبوّة ، وأمّا قبله فيجوز صدور المعصية عنهم . وهو قول أكثر الأشاعرة . وبه قال أبو هذيل، وأبو عليّ الجبائي من المعتزلة .
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ العمدة فيما اختاره أصحابنا قول أئمّتنا عليهم السلام ، وإجماع


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
224

فَغَوى» 1 بناءً على أنّ المتّصف بهما هو الذي ارتكب كبيرة من الذنوب، أو صغيرة منها، بدليل قوله تعالى : «وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ» 2 ، وقوله : «إِلَا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ» 3 ؛ فإنّ متابعة إبليس كبيرة، أو صغيرة ، ووجه عدم المنافاة أنّ حصر العصيان والغواية في الكبيرة والصغيرة ممنوع؛ إذ كما أنّهما يتحقّقان بفعل القبيح والحرام، كذلك يتحقّقان بترك الأولى والمندوب .
وأمّا العصيان والغواية في الآية فإنّما يراد بهما ما حصل بفعل محرّم ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت لرجل على سبيل التنزيه : لا تفعل كذا؛ فإنّ الخير في خلافه ، ففعله ، صحّ لك أن تقول : عصاني، وخالفني، فغوى؛ أي خاب عن ذلك الخير . أو يُراد أنّه ضلّ عن مطلوبه بناءً على ما قيل من أنّه عليه السلام طلب الخلد بأكلها ، أو عن المأمور به، أو عن الرشد حيث اغترّ بقول العدوّ .
وتفصيل المقام ما أفاده بعض الأفاضل الكرام حيث قال :
اعلم أنّ أقوى شبهة المخطئين للأنبياء الظواهر الدالّة على عصيان آدم عليه السلام ، وحملوها على ظواهرها بناءً على أصلهم من عدم وجوب عصمة الأنبياء ، وضبط القول في ذلك أنّ الاختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة :
أحدها : ما يقع في باب العقائد .
وثانيها : ما يقع في التبليغ .
وثالثها : ما يقع في الأحكام والفتيا .
ورابعها : في أفعالهم وسيرهم .
أمّا الكفر والضلال في الاعتقاد، فقد أجمعت الاُمّة على عصمتهم عنها قبل النبوّة وبعدها ، غير أنّ الأزارقة من الخوارج جوّزوا عليهم الذنب، وكلّ ذنب عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر عليهم، بل يحكى عنهم أنّهم قالوا: يجوز أن يبعث اللّه نبيّا علم أنّه يكفر بعد نبوّته .
وأمّا النوع الثاني ـ وهو ما يتعلّق بالتبليغ ـ فقد اتّفقت الاُمّة، بل جميع أرباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف فيما يتعلّق [بالتبليغ ]عمدا

1.طه (۲۰) : ۱۲۱ .

2.الجنّ (۷۲) : ۲۳ .

3.الحجر (۱۵): ۴۲ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 182685
صفحه از 624
پرینت  ارسال به