229
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

حسب ضعف إيمانه وقلّة ذكره وكثرة غفلته، ويبعد عنه، ويقلّ وسوسته وتسلّطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوّته ويقظته ودوام ذكره وإخلاص توحيده . ويشهد لذلك ظواهر الكتاب والسنّة . ۱
وقوله : (يكون له عقب يفتخرون) .
في القاموس: «العَقْبُ: الوَلَد، وولد الولد، كالعَقِب ، ككتف» . ۲
وفيه: «الافتخار: التمدّح بالخصال» . ۳
وقوله : (فقتله) .
قيل : كان هابيل أقوى منه، ولكن تحرّج عن قتله، واستسلم منه خوفا من اللّه ؛ لأنّ الدفع لم يُبَح بعدُ . ۴
وقيل : إنّه قتل، وهو ابن عشرين سنة عند عقبة حذّاء. وقيل: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم . ۵
وقوله : (فلمّا رجع قابيل) إلى آخره .
قال بعض المؤرّخين : «كان آدم عليه السلام عند وقوع تلك الواقعة مشتغلاً بأداء مناسك الحجّ ، فلعلّ رجوع قابيل إليه كان بعد عوده عليه السلام من مكّة» . ۶
وروي أنّه لمّا قتله، اسودّ جسده، فسأله آدم عن أخيه، فقال : ما كنتُ عليه وكيلاً . فقال : بل قتلته، ولذلك اسودّ جسدك، وتبرّأ منه، ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك . ۷
وقوله : (فوجد هابيل قتيلاً) .
يظهر ممّا ذكرنا أنّه عليه السلام وجده مدفونا ، ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى : «فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ» الآية . ۸

1.حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۵۲ .

2.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۰۶ (عقب) .

3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۰۸ (فخر) .

4.اُنظر : شرح المازندراني ، ج ۱۲ ، ص ۵۳ .

5.اُنظر : مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۷۹ .

6.اُنظر: شرح المازندراني ، ج ۱۲ ، ص ۵۱ .

7.اُنظر : تفسير جوامع الجامع ، ج ۱ ، ص ۴۹۴ ؛ تفسير الرازي ، ج ۱۱ ، ص ۲۰۸ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۳۱۸ ؛ تفسير أبي السعود ، ج ۳ ، ص ۲۹ ؛ تفسير الآلوسي ، ج ۶ ، ص ۱۱۵ .

8.المائدة (۵) : ۳۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
228

وقوله تعالى : «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ» .
قال البيضاوي :
بالحقّ، صفة مصدر محذوف؛ أي تلاوة ملتبسة بالحقّ. أو حال من الضمير في «اُتل»، أو من «نبأ»؛ أي ملتبسا بالصدق، موافقا لما في كتب الأوّلين .
«إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانا» ظرف ل «نبأ»، أو حال منه، أو بدل على حذف مضاف ؛ أي اُتل عليهم نبأهما نبأ ذلك الوقت .
والقربان: اسم لما يتقرّب به إلى اللّه من ذبيحة، أو غيرها ، كما أنّ الحُلوان اسم ما يُحلى [به] ؛ أي يُعطى ، وهو في الأصل مصدر، ولذلك لم يثنّ .
وقيل : تقديره : إذ قرّب كلّ واحدٍ منهما قربانا . قيل : كان قابيل صاحب زرع، وقرّب أردأ قمح عنده ، وهابيل صاحب ضَرع، وقرّب حَمَلاً سمينا .
«فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْاخَرِ»۱ ؛ لأنّه سخط حكم اللّه ، ولم يخلص النيّة في قربانه، وقصد إلى أخسّ ما عنده .
«قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ» ؛ نوعده بالقتل؛ لفرط الحسد له على تقبّل قربانه، ولذلك قال : «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ» في جوابه ؛ أي إنّما أتيت من قبل نفسك بترك التقوى، لا من قبلي، فلِمَ تقتلني .
وفيه إشارة إلى أنّ الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا، لا في إزالة حظّه؛ فإنّ ذلك ممّا يضرّه ولا ينفعه، وإنّ الطاعة لا تُقبل إلّا من متّقٍ . ۲
وقوله : (فعمد) أي قصد .
وقوله : (يجري من ابن آدم مجرى الدم) .
نقل عن الأزهري أنّه قال : «معناه أنّ الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيّا، كما لا يفارق دمه» .
وقال :
هذا على طريق ضرب المثل، والأكثر أجروه على ظاهره، وقالوا : إنّ الشيطان جعل له هذا المقدار من التطرّق إلى باطن الآدمي، إلى أن يصل إلى قلبه، فيوسوسه على

1.المائدة (۵) : ۲۷ .

2.تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۳۱۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 182642
صفحه از 624
پرینت  ارسال به