243
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقوله : (بعلم) حال عن الفاعل. والغرض منه أنّ تحديثه كان مقرونا بعلم من اللّه تعالى لا برأيه، فإذا لم يفوّض شيئا من أمر الخلق إلى رأي الملك الرسول من اللّه ، فكيف يفوّضه إلى الجهلة من الناس . ۱
(فعلم ذلك العلم ، وعلّم أنبياءه وأصفياءه) .
«علم» في الموضعين يحتمل أن يكون على صيغة المجرّد المعلوم ؛ أي عَلم ذلك الملك العلم الذي أفاضه اللّه تعالى عليه، وعلّمه إيّاه، وعَلِمَ أنبياؤه وأصفياؤه ذلك العلم بتعليم ذلك الملك .
أو يكون على صيغة المزيد المعلوم فيهما ؛ أي علّمه اللّه ذلك العلم، وعلّم هو أنبياء اللّه وأصفياءه .
أو يكون الأوّل من المجرّد، والثاني من المزيد، أو بالعكس. والمستتر فيهما في السابق عائد إلى الملك، وفي الأخير المستتر في الأوّل عائد إلى اللّه ، وفاعل الثاني الأنبياء والأوصياء .
أو يكون الأوّل على صيغة المجهول من المزيد ، والثاني على صيغة المعلوم منه، والمستتر فيهما عائدا إلى الملك .
وقيل : كأنّ المراد بالأنبياء المعنى العامّ الشامل للرُّسل أيضا، وبالأصفياء الأوصياء مطلقا؛ لصدقها على الرسل والأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، فبينهما عموم مطلق ؛ لأنّ كلّ نبيّ صفيّ، دون العكس. وحمل العطف على التفسير بعيد . ۲
وقوله : (من الآباء والإخوان والذرّيّة التي بعضها من بعض) بيان للأصفياء؛ يعني أنّ بعضهم آباء بعض، وبعضهم إخوان في النسب أو في الدِّين، كمحمّد وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام ، وكموسى ويوشع ويوسف وأسباط إخوته، وبعضهم ذرّيّةٌ من بعض . وقد اجتمعت الثلاثة في كثير منهم باختلاف الإضافة والاعتبار .
وقوله : (فذلك قوله عزّ وجلّ) ؛ استشهاد لما أشار إليه من أنّ النبوّة والوصاية والعلم من قبله تعالى .

1.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۱ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
242

يحتاج إليه الخلق، ولا يكون اختيار مثله إلّا منه تعالى . ۱
وقيل : أي لم يجعل العلم قطّ بمنزلة الجهل، ولا العالم بمنزلة الجاهل في وجوب الاتّباع، بل أمر باتّباع العلم والعالم في جميع الأزمنة والأعصار دون الجهل والجاهل ، فكيف يجوز بهذه الأدلّة تقديم الجاهل على العالم؟! ۲
وقال الفاضل الإسترآبادي :
فيه ردّ على من قال بأنّ اللّه تعالى بيّن بعض أحكامه على لسان نبيّه، وفوّض الباقي إلى ظنون المجتهدين وأفكارهم واجتهاداتهم الظنّيّة، وأمر من لم يبلغ درجة الاجتهاد الظنّي باتّباع ظنون المجتهدين .
وملخّص الكلام أنّ الظنّ قد يكون باطلاً، فيكون جهلاً؛ لعدم مطابقة الواقع، وأمر عباده باتّباع العلم، وهو اليقين المطلوب للواقع . ۳
(ولم يَكل) أي لم يترك، ولم يسلّم أمره في تقرير الأحكام وتعيين الهداة .
(إلى أحد من خلقه ، لا إلى ملكٍ مقرّب، ولا نبيّ مرسل) ؛ فكيف غيرهما ؟!
(ولكنّه تعالى أرسل رسولاً من الملائكة) إلى من يشاء من أنبيائه ورسله .
(فقال له) أي لذلك الملك : (قل) للرسل والأنبياء .
(كذا وكذا) ؛ فأمرهم اللّه ، أو ذلك الملك بما يحبّ اللّه .
(ونهاهم عمّا يكره) من الاُمور المختصّة بهم، أو الأعمّ .
(فقصّ عليهم أمر خلقه) .
في القاموس : «قصّ الخبر قصّا وقصصا: أعلمه» ۴ . وقال الجوهري : «قصّ الحديث: رواه على وجهه. والقَصَص المصدر والاسم» . ۵
وقيل : لعلّ المراد بأمر الخلق كلّ ما هو مطلوب منهم من الأوامر والنواهي وغيرهما ممّا فيه صلاحهم، أو الأعمّ منه، وممّا يصدر منهم ظاهرا وباطنا .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۰ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۸۱ .

3.حكاه عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۰ .

4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۱۳ (قصص) .

5.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۰۵۱ (قصص) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181430
صفحه از 624
پرینت  ارسال به