بعض العامّة القائلين بأنّ فصول الإقامة كلّها وتر ۱ ، فبُعده ظاهر .
نعم، في قوله عليه السلام : (وقال في أذانه: حيَّ على خير العمل) إيماء إلى ذلك .
وقوله : (فصلّى بالقوم) .
قيل : كيف يصلّون وهم في دار الآخرة ، وليست دار عمل، واُجيب عنه بوجوه :
الأوّل : أنّه إذا كان الشهداء أحياءً، فهؤلاء أولى، وإذا كانوا أحياءً صحّ أن يصلّوا ويعملوا سائر القربات، ويتقرّبوا بذلك إلى اللّه تعالى، وهم وإن كانوا في الآخرة فالدُّنيا لم تنقطع بَعدُ ، فإذا فنيت، وعقبتها الآخرة دار الجزاء، انقطع العمل .
الثاني : أنّ الصلاة ذكر ودعاء، والآخرة دار الذِّكر والدعاء . قال اللّه تعالى : «وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ»۲ .
الثالث : أنّ الموت يمنع التكليف، لا العمل . ۳
وأقول : لا يبعد أن يقع ذلك بسؤالهم والتماسهم من جناب الحقّ، فلا إشكال .
وقوله : (فتقطّرت بالغمام) .
الغمام: السحاب . وقيل : سمّي به؛ لأنّه يغمّ؛ أي يغطّي ويستر وجه السماء، أو وجه الشمس . ۴
ولعلّ الباء للتعدية ؛ أي أمر السماء، فصيّرت الغمام ذا قطرةٍ ومَطَرٍ بتأثيرها فيه. أو يكون للإلصاق، أو للسببيّة . والسماء بمعنى المطر ؛ أي أمر المطر، فوكف وترشّح، أو نزل وانفصل عن موضعه متلبّسا بالغمام، أو بسببه .
وفي القاموس: «تقطّر: رمى بنفسه من علوّ. وتقطر عنه: تخلّف» . ۵
وقيل : معنى «تقطّرت بالغمام»: أحدثت القطرات بالغمام .
وفي بعض النسخ : «فتفطّرت» بالفاء . والتفطّر: التشقّق . ولعلّ الباء هنا أيضا للتعدية؛ أي
1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۸۷ .
2.يونس (۱۰) : ۱۰ .
3.والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۷ .
4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۱۹ (قطر) .