259
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

بعض العامّة القائلين بأنّ فصول الإقامة كلّها وتر ۱ ، فبُعده ظاهر .
نعم، في قوله عليه السلام : (وقال في أذانه: حيَّ على خير العمل) إيماء إلى ذلك .
وقوله : (فصلّى بالقوم) .
قيل : كيف يصلّون وهم في دار الآخرة ، وليست دار عمل، واُجيب عنه بوجوه :
الأوّل : أنّه إذا كان الشهداء أحياءً، فهؤلاء أولى، وإذا كانوا أحياءً صحّ أن يصلّوا ويعملوا سائر القربات، ويتقرّبوا بذلك إلى اللّه تعالى، وهم وإن كانوا في الآخرة فالدُّنيا لم تنقطع بَعدُ ، فإذا فنيت، وعقبتها الآخرة دار الجزاء، انقطع العمل .
الثاني : أنّ الصلاة ذكر ودعاء، والآخرة دار الذِّكر والدعاء . قال اللّه تعالى : «وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ»۲ .
الثالث : أنّ الموت يمنع التكليف، لا العمل . ۳
وأقول : لا يبعد أن يقع ذلك بسؤالهم والتماسهم من جناب الحقّ، فلا إشكال .
وقوله : (فتقطّرت بالغمام) .
الغمام: السحاب . وقيل : سمّي به؛ لأنّه يغمّ؛ أي يغطّي ويستر وجه السماء، أو وجه الشمس . ۴
ولعلّ الباء للتعدية ؛ أي أمر السماء، فصيّرت الغمام ذا قطرةٍ ومَطَرٍ بتأثيرها فيه. أو يكون للإلصاق، أو للسببيّة . والسماء بمعنى المطر ؛ أي أمر المطر، فوكف وترشّح، أو نزل وانفصل عن موضعه متلبّسا بالغمام، أو بسببه .
وفي القاموس: «تقطّر: رمى بنفسه من علوّ. وتقطر عنه: تخلّف» . ۵
وقيل : معنى «تقطّرت بالغمام»: أحدثت القطرات بالغمام .
وفي بعض النسخ : «فتفطّرت» بالفاء . والتفطّر: التشقّق . ولعلّ الباء هنا أيضا للتعدية؛ أي

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۸۷ .

2.يونس (۱۰) : ۱۰ .

3.والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۷ .

4.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۱۹ (قطر) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
258

الاستحياء ، وأخجله غيره .
وقوله تعالى : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ»۱ الآية .
قال أكثر المفسّرين : إنّ المراد: اسأل اُممهم وعلماءهم . ۲
ولا يخفى ما فيه من التكلّف والتعسّف. وعلى ما فسّره عليه السلام لا يحتاج إلى ارتكاب حذف وتكلّف أصلاً .
وقوله : (من الذي سأله محمّد صلى الله عليه و آله ) إلى آخره .
قيل : زعم نافع أنّ بُعد الزمان والمسافة مانع من الملاقاة والسؤال . وأجاب عليه السلام بأنّه وقع الملاقاة والسؤال ليلة الإسراء، وإنّما اُجيب به؛ لأنّه لا يقدر المخاطب المتعنّت على إنكاره، وإلّا فهو صلى الله عليه و آله قادر على السؤال في كلّ وقت أراد؛ إذ لا مسافة في العالم الروحاني . ۳
وأقول : الظاهر أنّ مبنى الجواب بيان الواقع ، فلا وجه لما ذكره هذا القائل من التوجيه .
وقوله : (حشر اللّه ) أي جمع . والحشر: جمع الناس .
وقوله : (فأذّن شَفعا، وأقام شفعا) ؛ يدلّ كغيره من الأخبار على تثنية التكبير في أوّل الأذان، وكذا التهليل في آخر الإقامة، وكلاهما خلاف ما هو المشهور بين علمائنا فتوى ورواية .
ويمكن توجيه الأوّل على وجه يندفع المنافاة بما رواه الصدوق فيما ذكره الفضل بن شاذان من العلل عن الرِّضا عليه السلام أنّه قال : «إنّما اُمر الناس بالأذان لعلل كثيرة ـ إلى أن قال : ـ وجعل التكبير في أوّل الأذان أربعا ؛ لأنّ أوّل الأذان إنّما يبدأ غفلة، وليس قبله كلام يُنبَّه المستمع له، فجعل الاُوليين تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان» . ۴
وهذا صريح في أنّ الأصل في الأذان إنّما هو التكبيرتان، وزيدت الاُخريان لغرض التنبيه . وأمّا الثاني فالحقّ إبقاؤه بحاله والحكم بظاهره، ويؤيّده أخبار صحيحة اُخرى، وما استدلّوا به على وحدة التهليل في آخر الإقامة ضعيف جدّا .
وما قيل في توجيه الثاني من أنّه يمكن حمله على كون أكثر فصولهما شفعا ردّا على

1.الزخرف (۴۳) : ۴۵ .

2.راجع : تفسير الرازي ، ج ۲۷ ، ص ۲۱۶ ؛ تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۱۴۷ .

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۷ .

4.علل الشرائع ، ج ۱ ، ص ۲۵۸ ، ح ۹ . وعنه في بحار الأنوار ، ج ۶ ، ص ۵۸ ، ح ۱ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181521
صفحه از 624
پرینت  ارسال به