27
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

قال البيضاوي :
«لِيَبْلُوَكُمْ» متعلّق ب «خَلَقَ» ؛ أي خلق ذلك ليعاملهم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ؛ فإنّ جملة ذلك أسباب وموادّ لوجودكم ومعاشكم، وما تحتاج إليه أعمالكم ، ودلائل وأمارات تستدلّون بها، وتستنبطون منها . وإنّما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنّه طريق إليه كالنظر والاستماع . وإنّما ذكر صيغة التفضيل والاختبار الشامل لفرق المكلّفين باعتبار الحسن والقبح؛ للتحريض على إحصاء المحاسن ، والتحضيض على الترقّي دائما في مراتب العلم والعمل؛ فإنّ المراد بالعمل ما يعمّ عمل القلب والجوارح ، ولذلك قال النبيّ عليه السلام : «أيّكم أحسنُ عقلاً، وأورع من محارم اللّه ، وأسرع في طاعة اللّه » ۱ ، والمعنى: أيّكم أكمل علما وعملاً . ۲
(لقد ضرب لكم فيه) أي في الدنيا .
(الأمثال) ؛ لإيضاح المشتبهات . يُقال : ضربَ مثلاً ؛ أي وصف وبيّن . والمَثَل، محرّكة: الحجّة، والحديث .
(وصرّف الآيات) .
في القاموس: «تصريف الآيات: تبيينها» ۳ . والمراد بالآيات آيات الوعد والوعيد .
(لقوم يعقلون) أي يدركون ويفهمون الغرض الأصلي من تلك الأمثال والآيات .
(فإنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ يقول) في التزهيد عن الدنيا، والتنفير عنها .
(وقوله الحقّ) ؛ الذي لا يعتريه ريب وشبهة . أو الثابت الذي لا يزول ولا يبدّل .
«إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» .
قال البيضاوي :
يعني حالها العجيبة في سرعة تقضّيها ، وذهاب نعيمها بعد إقبالها ، واغترار الناس بها .

1.اُنظر : تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ، ج ۷ ، ص ۷۱ ؛ الكشّاف للزمخشري ، ج ۲ ، ص ۲۶۰ ؛ الدرّ المنثور للسيوطي ، ج ۴ ، ص ۲۱۱ .

2.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۲۲۱ و ۲۲۲ (مع اختلاف يسير) .

3.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۱۶۲ (صرف) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
26

(وهو) سبحانه (يقول) بعد الآية السابقة متّصلاً بها : «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ» .
قال البيضاوي :
أي العدل توزن بها صحائف الأعمال . وقيل : وضع الميزان تمثيل لإرصاد الحساب السويّ والجزاء على حسب الأعمال [بالعدل]، وإفراد «القسط» لأنّه مصدر وصف به للمبالغة .
«لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ» ؛ لجزاء يوم القيامة ، أو لأهله ، أو فيه كقولك : جئتُ لخمسٍ خلون من الشهر .
«فَلَا تُظْلَمُ» : فلا تنقص «نَفْسٌ شَيْئا» من حقّها، أو [لا]تظلم شيئا من الظلم .
«وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ» أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبّة . ورفع نافع «مِثْقالَ» على «كان» التامّة .
«أَتَيْنَا بِهَا» : أحضرناها . والضمير للمثقال، وتأنيثه لإضافته إلى الحبّة .
«وَكَفى بِنَا حَاسِبِينَ»۱ ؛ إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا . ۲
إلى هاهنا كلامه . ويمكن أن يكون المراد عدم وقوع الغلط في حسابه .
وقوله عليه السلام : (أهلَ الشرك لا يُنصب لهم الموازين) .
قيل : لا ينافي ذلك معاقبتهم على سيّئات أعمالهم، وكونهم مكلّفين بالفروع؛ إذ يعاملهم اللّه بعلمه ، وإنّما يوضع الموازين للمسلمين تشريفا لهم . أو لأنّهم لما كانوا مطيعين في اُصول الدِّين أو بعضها، يوضع لهم الميزان لئلّا يزعم زاعم أنّهم ظُلموا في عقوبتهم . ۳
والمراد بالدواوين دفاتر أعمالهم وصحائف أفعالهم .
والزمر ـ كزفر ـ جمع الزمرة ، بالضمّ ، وهي الفوج والجماعة من الناس في تفرّقهم .
وقوله : (وإنّما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيّهم أحسن عملاً لآخرته) إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ رَبَّكُمْ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ»۴ و «كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» . ۵

1.الأنبياء (۲۱) : ۴۷ .

2.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۹۶ (مع اختلاف يسير) .

3.قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۱۷۳ و ۱۷۴ .

4.الأعراف (۷) : ۵۴ ؛ يونس (۱۰) : ۳ .

5.هود : ۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 180794
صفحه از 624
پرینت  ارسال به