263
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

(ودعوا بالشراب، فسقوا الحميم) أي الماء الحارّ المتناهي في الحرارة .
وقوله : (أخبرني عن اللّه تعالى متى كان) ؛ سأل عن ابتداء وجوده، أو مدّة زمان وجوده ، فأجاب عليه السلام بأنّه (متى لم يكن حتّى اُخبرك متى كان) وحاصله : أنّ وجود الواجب لا يجري فيه مقولة متى، كما أنّ عدمه لا يجري فيه ذلك، وإنّما تجري في الوجودات الحادثة .
والتحقيق أنّ قولك: «متى كان زيد» سؤال عن أوّل زمان كونه ووجوده، أو عن مدّته ومقداره، ويلزمه جواز السؤال عن عدمه السابق على وجود ، ومن هذا تسمعهم يقولون : كلّ ما يصحّ أن يسأل عن وجوده بمتى، يصحّ أن يسأل عن عدمه بمتى ، واللازم باطل؛ لما ثبت من كونه تعالى واجب الوجود ، فبطل الملزوم ، وهو المطلوب .
وقوله : (لم يزل) إشارة إلى استمرار وجوده أزلاً، بحيث لم يسبقه العدم .
(ولا يزال) إشارة إلى استمراره أبدا، بحيث لا يلحقه الفناء .
والحاصل : أنّه سبحانه يستحيل عليه الانتقال من العدم إلى الوجود، ومن الوجود إلى العدم؛ لاستحالة انفكاك الوجود عنه وقتا مّا .
(فردا صمدا) نصب على الحال عن فاعل «لم يزل» و«لا يزال» .
والصمد، محرّكة: السيّد، من الصمد ـ بالسكون ـ وهو القصد ، سمّي به؛ لأنّه يقصد في الحوائج . والصَّمَد أيضا: الدائم والرفيع. ومصمّت: لا جوف له. والرجل: لا يعطش ولا يجوع في الحرب .
قيل : هذا حجّة لعدم كون وجوده مسبوقا بالعدم؛ إذ لو كان كذلك لاحتاج إلى الموجد ضرورة، فإنّ الشيء لا يوجد نفسه، فلا يكون فردا صمدا على الإطلاق؛ لكونه مع موجده واحتياجه إليه . ۱
(لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدا) ؛ لتقدّسه تعالى عن الشهوة، والتعاون، والتماثل، والاحتياج إلى الولد، ونحو ذلك من صفات الحدوث وسمات الإمكان .
وقوله عليه السلام : (ما تقول في أصحاب النهروان) .
قيل : أراد عليه السلام الاحتجاج عليه فيما كان يعتقده من رأي الخوارج ، فقال : إن قلت : إنّ

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۶۹ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
262

واعلم أنّ هذا التفسير موافق لأخبار كثيرة من طرق الخاصّة، وفي بعضها ما يخالفه ظاهرا :
منها : ما روي عن ثوير بن أبي فاختة، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام قال : «تبدّل الأرض غير الأرض؛ يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب بارزة، ليست عليها جبال ولا نبات، كما دحاها أوّل مرّة» . ۱
قيل : يمكن أن يحمل هذا الخبر على التقيّة ، أو على أنّ هذا بيان حال غير أرض المحشر من سائر أجزاء الأرض . ۲
ومنها : ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن رجل، عن سعيد بن أبي الخطيب: أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام قال لابن أبي ليلى : «ما تقول إذا جيء بأرض من فضّة وسماوات من فضّة، ثمّ أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيدك، فأوقفك بين يدي ربّك، وقال : ياربّ هذا قضى بغير ما قضيتُ» تمام الخبر . ۳
قيل : يمكن حمله على أنّه عليه السلام قال ذلك موافقا لما كان يعتقده ابن أبي ليلى إلزاما عليه ، أو على أنّ هذا مختصّ بجماعة من المجرمين يعذّبون بذلك . ۴ انتهى .
ولا يخفى عليك عدم المنافاة بين تلك الأخبار حتّى يحتاج إلى ارتكاب مثل هذه التوجيهات البعيدة؛ فإنّه يمكن تبدّلها بأرض لم تكتب عليها الذنوب، وتكون من فضّة، وتكون عليها خبزة وأنهار جارية .
وقوله : (ما شغلهم) .
كلمة «ما» نافية ، و«شغل» على بناء الفاعل ، والمستتر فيه راجع إلى العذاب المفهوم من السياق .
(إذ دعوا بالطعام) على بناء المفعول .
وكذا قوله : (فاُطعموا الزقّوم) .
في القاموس: «الزقّوم، كقنّور: شجرة بجهنّم، وطعام أهل النار» . ۵

1.تفسير العيّاشي ، ج ۲ ، ص ۲۳۶ ، ح ۵۲ ؛ تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۲۵۲ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۹۰ .

3.التهذيب ، ج ۶ ، ص ۲۲۰ ، ح ۵ .

4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۲۵ (زقم) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 179559
صفحه از 624
پرینت  ارسال به