273
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

فقوله عليه السلام : «قلوب المؤمنين» مرفوع على الفاعليّة، أو منصوب على المفعوليّة ؛ أي إبصار قلوب المؤمنين، وإدراكهم للمعارف الربّانيّة إنّما هو بما جعل فيها من نوره، وأفاض عليها من هدايته، وتجلّى لها من عظمته .
(وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون) ؛ يعني عظم شأنه، وجلالة قدره، ودوام ظهوره على الأشياء صار سببا لإنكار الجاهلين إيّاه ؛ لأنّ وجود الشيء بعد عدمه، وعدمَه بعد وجوده سبب لعلم القاصرين بإسناد أثر ما يعدم عند عدمه إليه .
وبعبارة اُخرى؛ لأنّ المؤثّر ما لم يكن له زوال أو غيبة بعد ثبوته وظهوره وانعدام أثره بهما لم يتبيّن للقاصر الجاهل بطرق الاستدلال أنّ الأثر مستند إليه، كما أنّ الشمس لو لم يكن لها غروبٌ لأنكر الجاهل كون ضياء العالم بالشمس، فلمّا صار الهواء بعد غروبها مظلما حكم بكون الضوء منها . وكذلك شمس عالم الوجود لاستمرار إفاضته وبقاء هذا النظام به ، يقول الجاهل : لعلّ هذا الصنع حدث بلا صانع، وهذا النظام انتظم بلا مدبّر ، وكذا عظمته منعت العقول عن الإحاطة به ، فتحيّروا فيه، وأثبتوا له ما لا يليق بجناب ذاته المقدّسة وصفاته .
قيل : ويحتمل أن يكون المراد أنّ كثرة النور تمنع عن إدراك القاصرين، وفرط الظهور يغلب على مدارك العاجزين، فكما أنّ الخفّاش لضعف بصره لا ينتفع بنور الشمس ، فكذا الأذهان القاصرة لضعفها يغلب عليها نوره الباهر، فلا تحيط به .
وبعبارة اُخرى : لمّا كان تعالى في غاية الرفعة والنور والعظمة والجلال ، والجاهلون في غاية الانحطاط والنقص والعجز، فلذا بعدوا عن معرفته؛ لعدم المناسبة، فأنكروه، وحصل بينه تعالى وبينهم بونٌ بعيد، فجحدوه، فَضَعْفُ بصيرتهم حَجَبهم عن أنوار جلاله، ونقصهم منعهم عن إدراك كماله . ۱
(وبعظمته ونوره ابتغى ...) .
قيل : هذه الفقرة قريبة في المآل من الفقرة السابقة، وحاصلها : أنّ عظمته ونوره وظهوره دعت العباد إلى الإقبال إلى جنابه، لكن لفرط نوره وعظمته ، ووفور جهلهم وعجزهم صاروا

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۹۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
272

الْكِبْرُ، وَلَا الْخَنَا، وَلَا الْفُحْشُ، وَلَا آمُرُ ۱ بِهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ الْمُشَوَّهَ الْأَعْرَابِيَّ فِي جَحْفَلٍ جَرَّارٍ، فَانْتَظِرْ فَرَجَكَ وَلِشِيعَتِكَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِذَا ۲ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى السَّمَاءِ، وَانْظُرْ مَا فَعَلَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِالْمُجْرِمِينَ، فَقَدْ فَسَّرْتُ لَكَ جُمَلاً مُجْمَلاً، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْأَخْيَارِ».

شرح

هذا الحديث رواه الصدوق رحمه الله بسندٍ صحيح ، والمصنّف رواه بثلاثة أسانيد؛ في بعضها جهالة، وبعضها مختَلفٌ فيه ، لكن باجتماعها، وتعاضد بعضها ببعض يحصل فيه قوّة .
قوله : (وهو في الحبس) ؛ يعني حين كان محبوسا بأمر الرشيد عند سنديّ بن شاهك، لعنة اللّه عليهما .
وقوله : (هذه نسخته).
في القاموس: «نسخ الكتاب: كتبه عن معارضة، كانتسخه، واستنسخه، والمنقول منه: النُسْخة، بالضمّ» . ۳
قوله : (الحمد للّه العليّ العظيم) .
قال صاحب العدّة :
العليّ: المنزّه عن صفات المخلوقين تعالى أن يوصف بها ، وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالقدرة عليهم، أو الترفّع بالتعالي عن الأشباه والأنداد وعمّا خاضت فيه وساوس الجهّال، وترامت إليه فكر الضُّلّال، فهو متعالٍ عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا . ۴
وقال : «العظيم: هو ذو العظمة والجلال، وهو منصرف إلى عظيم الشأن وجلالة القدر» . ۵
(الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين) .
في القاموس: «أبصره وتبصّره ونظره ببصره . وقوله تعالى : «فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً»۶ أي تبصّرهم، وتجعلهم بصراء». ۷

1.في كلتا الطبعتين : «الأمر» بدل «آمر».

2.في كلتا الطبعتين : «وإذا» .

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۲۷۱ (نسخ) .

4.عدّة الداعي ، ص ۳۰۱ .

5.عدّه الداعي ، ص ۳۱۳ .

6.النمل (۲۷) : ۱۳ .

7.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۳۷۳ (بصر) مع التلخيص .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 180631
صفحه از 624
پرینت  ارسال به