279
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

التمسّك به . ۱
ثمّ بيّن عليه السلام خيانتهم بقوله : (ائتمنوا على كتاب اللّه ) على صيغة المجهول ؛ يعني اتّخذهم الرسول اُمناء على كتاب اللّه ، وأمرهم بحفظه .
(فحرّفوه) .
قال الجوهري : «تحريف الكلام عن مواضعه: تغييره» . ۲
(وبدّلوه) كأنّ العطف للتفسير، أو يُراد بالتحريف تغيير لفظه ومعناه، وبالتبديل تغيير أصله وأحكامه .
قال الجوهري : «أبدَلْتُ الشيءَ بغيره، وبدّله اللّه من الخوف أمنا . وتبديل الشيء أيضا: تغييره» . ۳
وفي القاموس: «بدّله تبديلاً: حرّفه. وتبدّل : تغيّر» . ۴
وكأنّ قوله : (ودُلّوا) على بناء المفعول .
(على ولاة الأمر منهم) بيان للتحريف والتبديل ؛ يعني دلّهم اللّه والرسول على ولاة الأمر من آل محمّد في مواضع عديدة .
(فانصرفوا عنهم) كفرا وعنادا وحسدا . ويحتمل أن يكون هذا خيانة اُخرى .
(فأذاقهم اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) أي بصنعهم .
وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» . ۵
وفي تفسيرها وبيان لطائفها أقول : فقال البيضاوي :
استعار الذوق؛ لإدراك أثر الضرر واللباس لما غشيهم، واشتمل عليهم من الجوع والخوف، وأوقع الإذاقة عليه بالنظر إلى المستعار له، كقول كثير :

غمر الرداء إذا تبسّم ضاحكاعلقت لضحكته رقاب المال
فإنّه استعار الرداء للمعروف؛ لأنّه يصون عِرْض صاحبه صَونَ الرداء لما يلقى

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۷۴ .

2.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۳۴۳ (حرف) .

3.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۶۳۲ (بدل) .

4.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۳۳ (بدل) .

5.النحل (۱۶) : ۱۱۲ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
278

القصم والكسر والقطع . ۱
(والمسالمة) أي المصالحة .
(لهم) وهو عطف على العروة . والمراد بها التسليم والانقياد لهم في الاُمور كلّها، وعدم مخالفتهم في شيء منها .
(والرضا بما قالوا) ؛ يعني ينبغي أن يكون ما ذكر من الاستمساك والمسالمة مقرونا بالرِّضا، لا بالسخط، وإن لم يظهر له وجه الصحّة ، أو ثقل ذلك الأمر وقبوله على النفس .
(ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك) .
الالتماس: الطلب . والمراد هنا الإذعان والقبول والعمل به . قال الجوهري : «شيعة الرجل: أتباعه وأنصاره» . ۲
وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ»۳ : «أي من كلّ اُمّة شاعت دينا» . ۴
(ولا تحبّنّ دينهم ؛ فإنّهم الخائنون) .
الخَوْن: أن يؤتمن الإنسان، فلا ينصح . يُقال : خانه يخونه خونا أو خيانةً ومخانة وخانة، فهو خائن .
وقوله : (الذين خانوا اللّه ورسوله وخانوا أماناتهم) إشارة إلى قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ» . ۵
وقال بعض المفسّرين : «خيانة اللّه والرسول بتعطيل الفرائض والسنن، أو بأن يضمروا خِلاف ما يُظهرون، أو بالنكول في الغنائم . «وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ» أي فيما بينكم» انتهى . ۶
والأمانة: ضدّ الخيانة، وهو ما يلزم أداؤه .
وقيل : لمّا كان عدم التمسّك بدينهم غير مستلزم لعدم محبّته، نهى بعده عن محبّته ، وعلّل بأنّهم خائنون، وفعلهم خيانة، ودينهم باطل، ولا يجوز محبّة الباطل، كما لا يجوز

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۷۴ .

2.الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۲۴۰ (شيع) .

3.مريم (۱۹) : ۶۹ .

4.تفسير البيضاوي ، ج ۴ ، ص ۲۷ .

5.الأنفال (۸) : ۲۷ .

6.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۱۰۲ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181199
صفحه از 624
پرینت  ارسال به