29
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقوله : (فإنّ اللّه عزّ وجلّ ...) إشارة إلى أنّ النهي عن الركون إليها شامل للنهي عن الركون إلى أهلها، كما أشرنا إليه . أو إلى أنّ المراد بالركون إليها الركون إلى أهلها .
(قال لمحمّد صلى الله عليه و آله ) ليبلّغ إلى الاُمّة. وخاطبه على سبيل التعظيم وأراد غيره .
«وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» .
قال بعض المفسّرين : «أي لا تميلوا إليهم أدنى ميل؛ فإنّ الركون هو الميل اليسير» . ۱«فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ»۲ بركونكم إليهم .
وإذا كان الركونُ إلى مَن وُجد منه ما يسمّى ظلما كذلك ، فما ظنّك بالركون إلى الظالمين ؛ أي الموسومين بالظلم، ثمّ بالميل إليهم كلّ الميل، ثمّ بالظلم نفسه والانهماك فيه ؟!
ولعلّ الآية أبلغ ما يتصوّر في النهي عن الظلم والتهديد عليه . وخطاب للرسول ومَن معه من المؤمنين؛ للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل؛ فإنّ الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط ظلم على نفسه أو غيره، بل ظلم في نفسه .
وقوله : (ركونَ مَن اتّخذها دارَ قرار) أي كركونه .
وفيه إيماء إلى أنّ الركون إليها لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار تحصيل ما يتوقّف عليه بقاء الحياة وإعمال الطاعات. وجعلها محلّ العبرة ممدوح، كما أشار إليه أيضا بقوله : (فإنّها دارُ بُلغة) بالضمّ .
قال في المصباح : «البُلغة: ما يتبلّغ به من العيش ولا يفضل . يُقال : تبلّغ به، إذا اكتفى به . وفي هذا بلاغ وبُلغة وتبلّغ؛ أي كفاية» . ۳
(ومنزل قُلعةٍ) أي ارتحال وتقلّع . قال الفيروزآبادي :
القُلعة، بالضمّ: العَزل، والمال العارية ، أو ما لا يدوم ، والضعيف الذي إذا بُطِش به لم يثبت . ومنزلُنا منزل قُلعةٍ أيضا ، وبضمّتين ، وكَهُمَزَة؛ أي ليس بمستوطنٍ كأنّه يقطع ساكنه . أو معناه: لا نملكه، أو لا ندري متى نتحوّل عنه . ومجلسٌ قُلعَةٌ: يحتاج صاحبه إلى أن يقوم مرّة بعد مرّة . والدنيا دار قُلعة؛ أي انقلاع. وهو على قُلعَةٍ؛ أي رحلة . ۴

1.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۲۶۶ .

2.هود : ۱۱۳ .

3.المصباح المنير ، ص ۱۳۱ (بلغ) .

4.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۷۴ (قلع) . وقال المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۴۱۵ : «وفيه تنبيه على أنّ الدنيا ليست بدار لهم، ليلتفتوا عن الركون إليها ، ويتوقّعوا الارتحال والخروج منها» .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
28

«كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ» ؛ فاشتبك بسببه حتّى خالط بعضه بعضا .
«مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ» من الزرع والبقول والحشيش .
«حَتّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا» . ۱
قال الجوهري : «الزُّخرُف : الذهب، ثمّ يشبّه به كلّ مموّهٍ مُزوّر . والمزخرف: المزيّن» . ۲«وَازَّيَّنَتْ» بأصناف النبات وأشكالها وألوانها المختلفة كعروس اُخذت من ألوان الثياب والزين ، فتزيّنت بها .
و«ازّيّنت» أصله: تزيّنت، فاُدغم .
«وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا» ؛ متمكِّنون من حَصْدِها، ورفع غلّتها .
«أَتَاهَا أَمْرُنَا» ضَرب زرعها ما يجتاحه .
«لَيْلاً أَوْ نَهَارا فَجَعَلْنَاهَا» أي فجعلنا زَرْعها .
«حَصِيدا» شبيها بما حُصِد من أصله .
«كَأَنْ لَمْ تَغْنَ» ؛ كأن لم يغن زرعها؛ أي لم يلبث .
والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة ، وقرئ بالياء على الأصل .
«بِالْأَمْسِ» فيما قُبيله ، وهو مَثَلٌ في الوقت القريب، والممثّل به مضمون الحكاية، وهو زوال خضرة النبات فجأةً، وذهابه حُطاما بعد ما كان غَضّا، والتفّ وزيّن الأرض حتّى طمع فيه أهله، وظنّوا أنّه قد سلم من الجوائح لا الماء، وإن وليه حرف التشبيه؛ لأنّه من التشبيه المركّب .
«كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»۳ ؛ فإنّهم المفتنون به.
(فكونوا عباد اللّه ) أي يا عباد اللّه .
(من القوم الذين يتفكّرون) في الآيات الدالّة على فناء الدنيا، وسرعة زوالها، ويجدون ما هو الغرض الأصلي منها .
(ولا تركنوا إلى الدنيا) وأهلها الذين يميلون إليها، ويتّخذونها دار استيطان .
قال الفيروزآبادي : «ركن إليه ـ كنصر وعلم ومنع ـ ركونا: مالَ، وسكن» . ۴

1.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۱۹۳ .

2.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۳۶۹ (زخرف) .

3.يونس (۱۰) : ۲۴ .

4.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۲۹ (ركن) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 180736
صفحه از 624
پرینت  ارسال به