وقوله : (فإنّ اللّه عزّ وجلّ ...) إشارة إلى أنّ النهي عن الركون إليها شامل للنهي عن الركون إلى أهلها، كما أشرنا إليه . أو إلى أنّ المراد بالركون إليها الركون إلى أهلها .
(قال لمحمّد صلى الله عليه و آله ) ليبلّغ إلى الاُمّة. وخاطبه على سبيل التعظيم وأراد غيره .
«وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» .
قال بعض المفسّرين : «أي لا تميلوا إليهم أدنى ميل؛ فإنّ الركون هو الميل اليسير» . ۱«فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ»۲ بركونكم إليهم .
وإذا كان الركونُ إلى مَن وُجد منه ما يسمّى ظلما كذلك ، فما ظنّك بالركون إلى الظالمين ؛ أي الموسومين بالظلم، ثمّ بالميل إليهم كلّ الميل، ثمّ بالظلم نفسه والانهماك فيه ؟!
ولعلّ الآية أبلغ ما يتصوّر في النهي عن الظلم والتهديد عليه . وخطاب للرسول ومَن معه من المؤمنين؛ للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل؛ فإنّ الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط ظلم على نفسه أو غيره، بل ظلم في نفسه .
وقوله : (ركونَ مَن اتّخذها دارَ قرار) أي كركونه .
وفيه إيماء إلى أنّ الركون إليها لا بهذا الاعتبار، بل باعتبار تحصيل ما يتوقّف عليه بقاء الحياة وإعمال الطاعات. وجعلها محلّ العبرة ممدوح، كما أشار إليه أيضا بقوله : (فإنّها دارُ بُلغة) بالضمّ .
قال في المصباح : «البُلغة: ما يتبلّغ به من العيش ولا يفضل . يُقال : تبلّغ به، إذا اكتفى به . وفي هذا بلاغ وبُلغة وتبلّغ؛ أي كفاية» . ۳
(ومنزل قُلعةٍ) أي ارتحال وتقلّع . قال الفيروزآبادي :
القُلعة، بالضمّ: العَزل، والمال العارية ، أو ما لا يدوم ، والضعيف الذي إذا بُطِش به لم يثبت . ومنزلُنا منزل قُلعةٍ أيضا ، وبضمّتين ، وكَهُمَزَة؛ أي ليس بمستوطنٍ كأنّه يقطع ساكنه . أو معناه: لا نملكه، أو لا ندري متى نتحوّل عنه . ومجلسٌ قُلعَةٌ: يحتاج صاحبه إلى أن يقوم مرّة بعد مرّة . والدنيا دار قُلعة؛ أي انقلاع. وهو على قُلعَةٍ؛ أي رحلة . ۴
1.تفسير البيضاوي ، ج ۳ ، ص ۲۶۶ .
2.هود : ۱۱۳ .
3.المصباح المنير ، ص ۱۳۱ (بلغ) .
4.القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۷۴ (قلع) . وقال المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۴۱۵ : «وفيه تنبيه على أنّ الدنيا ليست بدار لهم، ليلتفتوا عن الركون إليها ، ويتوقّعوا الارتحال والخروج منها» .