قوله : (ودّوا) خبرا له بعيد .
وقوله : (ورضي بقوته نصفَ مدّ) ؛ كأنّه كناية عن القلّة ؛ يعني أنّه يكتفي بأقلّ ما تيسّر له من الحلال، أو لا يتعب في تحصيل الزيادة، ولو حصل له الزيادة من غير تعب لم يكثر في الأكل متعدّيا عن قدر الضرورة؛ لأنّ في الأوّل تضييع العمر فيما لا يعنيه، والاشتغال عمّا يعنيه، ويهمّه من العمل للآخرة ، وفي الثاني مفاسد كثيرة من زوال الرقّة، وحدوث المرض، والقسوة، والكسل، ونحوها .
(وما أكنّ به رأسُه) من العمامة ونحوها ، أو البيت وشبهه .
قال الجوهري : «الكِنّ: السُّترة. وكننتُ الشيء: سترته، وصُنْتُهُ من الشمس ، وأكنَنْتُهُ في نفسي: أسْرَرْته . وقال أبو زيد : كَنَنْتَهُ وأكننتهُ بمعنى ، في الكِنّ وفي النفس جميعا» . ۱
(وهم مع ذلك واللّه خائفون وجِلون) .
أفرد ضمير الموصول سابقا، وجمّعه هاهنا، من حيث اعتبار اللفظ والمعنى .
والوجل والخوف في أصل اللغة متقارب المعنى . قيل : ثمّ كثر إطلاق الوجل على اضطراب القلب التابع للخوف، وعلى الاستغاثة، وطلب الناصر الدافع له، فإن صحّ هذا فهو أثبت بالمقام ؛ لأنّ التأسيس خيرٌ من التأكيد . ۲
(ودّوا أنّه حظّهم من الدُّنيا) .
في القاموس: «الحظّ: النصيب، والجدّ، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفضل» . ۳ والضمير المنصوب راجع إلى عرفان حقّهم ، وما عطف عليه، وتخصيصه ببعضها تحكّم .
(وكذلك وصفهم اللّه ) ؛ إشارة إلى قوله عليه السلام : «من عرف حقّنا» وما عطف عليه، وفيه إيماء إلى تفسير الإيتاء في الآية .
(حيث يقول) في سورة المؤمنين : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا» .
قال في مجمع البيان :
أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة . وقيل : أعمال البرّ كلّها .
«وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ»۴ أي خائفة . عن قتادة .
1.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۱۸۹ (كنن) .
2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۸۴ .
3.القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۳۹۴ (حظظ) .
4.المؤمنون (۲۳) : ۶۰ .