305
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقيل : لا يبعد تخصيص صاحب السلطان الجائر بمن كان مُعينا له في جوره، أو ساكتا لا يُعينه ولا يمنعه ؛ لأنّ صاحبه المانع له ربّما وقع مدحه في بعض الروايات . ۱
ثمّ تلا قوله تعالى في سورة آل عمران : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي»۲
.
قال البيضاوي :
المحبّة: ميل النفس إلى الشيء لكمال اُدرِك فيه، بحيث يحملها على ما يقرّبها إليه . والعبد إذا علم أنّ الكمال الحقيقي ليس إلّا للّه ، وأنّ كلّ ما يراه كمالاً من نفسه أو غيره فهو من اللّه وباللّه وإلى اللّه ، لم يكن حبّه إلّا للّه وفي اللّه ، وذلك يقتضي إرادة طاعته، والرغبة فيما يقرّبه إليه ، فلذلك فسّرت المحبّة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمة لاتّباع الرسول في عبادته، والحرص على مطاوعته .
«يُحْبِبْكُمْ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» جواب للأمر ؛ أي يرضَ عنكم، ويكشف الحُجب عن قلوبكم بالتجاوز عمّا فرط منكم، فيدخلكم في جنّات عزّه، ويبوّأكم في جوار قدسه . عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة، أو المقابلة . انتهى . ۳
وأقول : كأنّ الآية هاهنا استشهاد لنجاة أهل المعرفة غير الثلاثة، وتوجيهه أنّ نجاتهم مسبّبة لمحبّة اللّه ، المستلزمة لمتابعة الرسول، المستتبعة لمعرفة أهل بيته، المقتضية للعمل الموجب للنجاة .
ويحتمل كونها استشهادا لانتفاء النجاة عن الثلاثة ، وتقريبه يُعلم ممّا ذكر . ولك أن تجعلها استشهادا لمجموع المستثنى والمستثنى منه معا .
وقوله : (الحبّ أفضل من الخوف) .
قيل : كأنّ الوجه أنّ الخوف يقتضي الإتيان بالمأمور به، والاجتناب من المنهيّ عنه؛ للتحرّز عن العقوبة، ودفع الضرر عن النفس ، بخلاف الحبّ؛ فإنّه يقتضي ما ذكر لمجرّد رضائه، وطلب التقرّب منه . والفصل بينهما ظاهر .
أو أنّ حقيقة الحبّ تقتضي الميل إليه، والتوصّل به، وحقيقة الخوف ـ وإن كانت درجة عظيمة ـ يقتضي الوحشة والفرار . وبينهما بونٌ بعيد .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۸۶ .

2.آل عمران (۳) : ۳۱ .

3.تفسير البيضاوي ، ج ۲ ، ص ۲۷ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
304

وأنت موقوفٌ يوم القيامة، محاسَبٌ بالمعصية وغيرها ، فكيف يجوز أن ترى نفسك أفضل منه ؟! نعم ، لو رأى في نفسه فضلاً وخيرا من علمٍ وطاعة وغيرهما، وعدّه نعمةً من اللّه ، ونسبه إليه من حيث إنّه منه ومن توفيقه، فالظاهر أنّه لا يضرّ، كما قال سليمان عليه السلام : «الْحَمْدُ للّهِِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ»۱ . ۲
(أما تلوت قصّة سَحَرة موسى عليه السلام ) ؛ حيث وفّقهم اللّه للإيمان والطاعة بعد الكفر والمعصية، وغفر ما سلف منهم من ذنوبهم .
وفيه إيماء إلى عدم جواز تفضيل النفس على الكافر أيضا ، وهذا لا ينافي ذمّه ولعنه من حيث الكفر .
وقوله : (مستدرَج) ؛ على صيغة اسم المفعول .
قال الفيروزآبادي : «استدرجه: خدعه . واستدراج اللّه تعالى العبد: أنّه كلّما جدّد خطيئة جدّد له نعمة» . ۳
(وأنساه) الاستغفار، وأن يأخذه قليلاً قليلاً، ولا يباغته .
وقال : «المباغتة: المفاجأة» . ۴
وقوله : (يستر اللّه ) .
في بعض النسخ: «بستر اللّه » بالباء الموحّدة .
وقوله : (لأرجو النجاة) أي من دخول النار؛ فإنّ صاحب السلطان الجائر وأخويه يدخلونها، لكن يمكن أن يدركهم الشفاعة والرحمة بعدُ ؛ فإنّ هذه الفسوق ليست بكفر يوجب خلود النار .
وقوله : (سلطانٌ جائر) ؛ لعلّ المراد به ذو السلطنة مطلقا .
(وصاحب هوىً) أي من اتّبع رأيا مبتدعا بغير هدىً من اللّه ، أو مطلقا .
(والفاسق المُعلِن) بكسر اللّام، هو الذي لا يستخفي بفسقه، ولا يبالي بظهوره .
وقيل : هو من يذكر فسقه عند الناس، أو المشهور به . ۵

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۸۵ .

2.النمل (۲۷) : ۱۵ .

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۸۸ (درج) .

4.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۴۳ (بغت) .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۸۶ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 180942
صفحه از 624
پرینت  ارسال به