وقيل : لا يبعد تخصيص صاحب السلطان الجائر بمن كان مُعينا له في جوره، أو ساكتا لا يُعينه ولا يمنعه ؛ لأنّ صاحبه المانع له ربّما وقع مدحه في بعض الروايات . ۱
ثمّ تلا قوله تعالى في سورة آل عمران : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي»۲
.
قال البيضاوي :
المحبّة: ميل النفس إلى الشيء لكمال اُدرِك فيه، بحيث يحملها على ما يقرّبها إليه . والعبد إذا علم أنّ الكمال الحقيقي ليس إلّا للّه ، وأنّ كلّ ما يراه كمالاً من نفسه أو غيره فهو من اللّه وباللّه وإلى اللّه ، لم يكن حبّه إلّا للّه وفي اللّه ، وذلك يقتضي إرادة طاعته، والرغبة فيما يقرّبه إليه ، فلذلك فسّرت المحبّة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمة لاتّباع الرسول في عبادته، والحرص على مطاوعته .
«يُحْبِبْكُمْ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» جواب للأمر ؛ أي يرضَ عنكم، ويكشف الحُجب عن قلوبكم بالتجاوز عمّا فرط منكم، فيدخلكم في جنّات عزّه، ويبوّأكم في جوار قدسه . عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة، أو المقابلة . انتهى . ۳
وأقول : كأنّ الآية هاهنا استشهاد لنجاة أهل المعرفة غير الثلاثة، وتوجيهه أنّ نجاتهم مسبّبة لمحبّة اللّه ، المستلزمة لمتابعة الرسول، المستتبعة لمعرفة أهل بيته، المقتضية للعمل الموجب للنجاة .
ويحتمل كونها استشهادا لانتفاء النجاة عن الثلاثة ، وتقريبه يُعلم ممّا ذكر . ولك أن تجعلها استشهادا لمجموع المستثنى والمستثنى منه معا .
وقوله : (الحبّ أفضل من الخوف) .
قيل : كأنّ الوجه أنّ الخوف يقتضي الإتيان بالمأمور به، والاجتناب من المنهيّ عنه؛ للتحرّز عن العقوبة، ودفع الضرر عن النفس ، بخلاف الحبّ؛ فإنّه يقتضي ما ذكر لمجرّد رضائه، وطلب التقرّب منه . والفصل بينهما ظاهر .
أو أنّ حقيقة الحبّ تقتضي الميل إليه، والتوصّل به، وحقيقة الخوف ـ وإن كانت درجة عظيمة ـ يقتضي الوحشة والفرار . وبينهما بونٌ بعيد .