307
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقيل : أي اظهر لي ما كتمته من المساوئ في قلبك؛ ليعرفك الناس . قال : والغرض توبيخه بما ستره في جوفه من المساوئ، ويُظهر للناس محاسن الأخلاق . انتهى . ۱
والحاصل : أنّه ينبغي الاهتمام بتطهير القلب، وتخليته عن الرذائل، وتحليته بالفضائل، وإلّا فلا نفع في البكاء والصياح وشقّ القميص الذي هو من فعل السفهاء والمجانين .
وقوله : (حتّى يتحوّل عمّا أكره إلى ما اُحبّ) ؛ كأنّ المراد بما أكره العقيدة الفاسدة، أو أعمّ منها ومن الأعمال الكاسدة، أو الأخير فقط . ويقابله ما اُحبّ .
وقيل : كأنّ ذلك الساجد كان منافقا في دين موسى عليه السلام ، وهكذا يفعل اللّه ببعض عباده ؛ إمّا من باب اللطف والتنبيه ليرجع ويتوب، أو من باب الغضب . وليس المراد أنّه يفعله بالجميع كذلك، فلا ينافي ما مرّ في باب الدُّعاء من أنّه تعالى قد يقبل دعاء الفَسَقة سريعا؛ لكراهة سماع صوتهم . ۲

متن الحديث التاسع والتسعين (حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله )

۰.عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:«مَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلى رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ أَنْ يَظَلَّ ۳ جَائِعا خَائِفا فِي اللّهِ».

شرح

السند حسن .
قوله : (يظلّ) .
قال الجوهري : «ظَلِلت أعمل كذا ـ بالكسر ـ ظُلُولاً، إذا عملته بالنهار دون الليل» . ۴
وقال الفيروزآبادي : «أظَلَّني الشيء: غشيني، أو دنا منّي حتّى ألقى عليّ ظلّه. وظلّ نهاره: يفعل كذا يظلَّ ـ بالفتح ـ ظلّاً وظلولاً» . ۵

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۰۹ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۸۸ .

3.في الحاشية عن بعض النسخ: «يصلّ ـ يصلّي».

4.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۷۵۶ (ظلل) .

5.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۰ (ظلل).


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
306

أو أنّ مقام المحبّة أعلى من مقام الخوف ؛ لأنّ الخوف حالة نفسانيّة، تحصل من معرفته تعالى ومعرفة جلاله وعظمته وغنائه عن الخلق، ومعرفة قهره وغضبه وكمال قدرته عليهم، وعدم مبالاته بتعذيبهم وتأديبهم وإهلاكهم، ومعرفة عيوب نفسه وتقصيره في الطاعات، ومعرفة أمر الآخرة وشدائدها ، وكلّما ازدادت تلك المعارف زاد الخوف، فيؤثّر ذلك في القلب والجوارح تأثيرا عظيما، فيميل القلب إلى ترك الشهوات، والندامة على الزلّات، والعزم على الخيرات ، فيحصل له بترك الشهوات العفّة والزهد، وبترك المحرّمات التقوى، وبترك ما لا يعني الورع والصدق، حتّى يترقّى منها إلى مقام المحبّة، فلا يرى لنفسه إرادة ولا مرادا، ويحبّ كلّ ما يرد عليه منه، ولا يراه ثقيلاً على نفسه ، بل يراه محبوبا مرغوبا يلتذّ به أشدّ التذاذ؛ لمجيئه من جانب المحبوب، ويعدّه تحفة وهديّة منه . ۱
وقوله : (فبكى رجل) ؛ كأنّه كان من المخالفين .
أو المراد بقوله : (لم يُشفّعوا فيك) إلاّ بولايتنا . يُقال : شفّعته فيه تشفيعا: قبلت شفاعته، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب . فقوله : «لم يشفّعوا» على بناء المفعول ؛ أي لم تقبل شفاعتهم فيك .
وقوله : (كن ذَنَبا) .
الذَّنَب ـ بالتحريك ـ معروف ، وهنا كناية عن متابعة من يحبّ متابعته، وعدم التقدّم عليهم في شيء من الاُمور، كما أشار إليه بقوله : (ولا تكن رأسا) .
ويحتمل أن يكون المراد النهي عن طلب مطلق الرئاسة ، أو عن كونه متبوعا لأهل الباطل في باطلهم .
وقوله : (كلَّ لسانه)؛ يعني عمّا لا يعنيه . يُقال: كلَّ لسانه يَكِلّ كلّاً وكُلولاً وكَلالاً، إذا عجز عن النطق، وتحيّر فيه .
وقوله : (ولكن اشرح لي عن قلبك) .
الشرح: الكشف، والتوسيع . ولعلّ المراد هنا فتح القلب وتوسيعه لقبول الحقّ ؛ أي كاشفا عن قلبك برفع ما يواريه ويغطّيه من موانع دخول الحقّ فيه .

1.إلى هاهنا كلام القائل ، وهو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۸۶ و ۸۷ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 161242
صفحه از 624
پرینت  ارسال به