419
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

الثانية : أنّ ظاهر الآية يدلّ على تقدّم يومي خلق الأقوات على يومي خلق السماوات . والخبر يدلّ على تأخّر أحد يومي خلق الأقوات عنهما .
وقال بعض المحقّقين :
يمكن أن يجاب عن الاُولى : بأنّ المراد بخلق أقوات السماء خلق أسباب أقوات أهل الأرض، الكائنة في السماء من المطر والثلج، والألواح التي يقدّر فيها الأقوات، والملائكة الموكّلين بها .
ويؤيّده أن ليس لأهل السماء قوت وطعام وشراب ؛ ففي يوم واحد قدّر الأسباب الأرضيّة لأقوات أهل الأرض ، وفي يوم آخر قدّر الأسباب السماويّة لها .
وفي الآية نسبهما إلى الأرض؛ لكونهما لأهلها . وفي الخبر فصّل ذلك لبيان اختلاف موضع التقديرين .
وعن الثانية بنحو ما ذكره البيضاوي بأن لا تكون لفظة «ثمّ» للترتيب والتراخي في المدّة .
ثمّ قال :
ومن غرائب ما سنح لي أنّي لمّا كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت، فرأيت فيما يرى النائم أنّي أتفكّر في هذه الآية، فخطر ببالي في تلك الحالة أنّه يحتمل أن يكون المراد بأربعة أيّام تمامها، لا تتمّتها، ويكون خلق السماوات أيضا من جملة تقرير أرزاق أهل الأرض؛ فإنّها من جملة الأسباب، ومحالّ بعض الأسباب كالملائكة العاملة، والألواح المنقوشة، والشمس والقمر والنجوم المؤثّرة بكيفيّاتها، كالحرارة والبرودة في الثمار والنباتات .
وتكون لفظة «ثمّ» في قوله تعالى : «ثُمَّ اسْتَوى» للترتيب في الإخبار لتفصيل ذلك الإجمال بأنّ يومين من تلك الأيّام الأربعة كانا مصروفين في خلق السماوات، والآخرين في خلق سائر الأسباب . وبه يندفع الإشكالان . انتهى . ۱
ثمّ اعلم أنّه يستفاد من هذا الخبر من الآيات الدالّة على خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام أنّ الزمان ليس مقدار حركة الفلك ـ على ما زعمت الفلاسفة ـ وإلّا فلا معنى للتقدير بالأيّام قبل وجود الفلك.

1.القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۳۵۰ و ۳۵۱ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
418

«وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ» ۱ ؛ في تتمّة أربعة أيّام، كقولك : سرتُ من البصرة إلى بغداد في عشر، وإلى الكوفة في خمس عشر . ولعلّه قال ذلك، ولم يقل: في يومين؛ للإشعار باتّصالهما باليومين الأوّلين، والتصريح على الفَذْلَكة.
«سَوَاءً» أي استوت سواء بمعنى استواء ، والجملة صفة الأيّام، وتدلّ عليه قراءة يعقوب بالجرّ .
وقيل : حال من الضمير في «أقواتها»، أو في «فيها» . وقرئ بالرفع على هي «سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ» متعلّق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدّة خلوّ الأرض وما فيها، أو بِ«قدّر»؛ أي قُدّر فيها الأقوات للطالبين لها .
«ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّمَاءِ» . قصد نحوها من قولهم : استوى إلى مكان كذا، إذا توجّه إليها توجّها لا يلوي على غيره .
والظاهر أنّ «ثمّ» لتفاوت ما بين الخلقتين، لا للتراخي في المدّة؛ لقوله : «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا» ، ودحوها متقدّم على خلق الجبال من فوقها.
«وَهِيَ دُخَانٌ» ؛ أمر ظلماني . ولعلّه أراد به مادّتها، أو الأجزاء المتصغّرة التي كتب منها.
«فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعا أَوْ كَرْها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ» ، فخلقهنّ خلقا إبداعيّا، وأتقن أمرهنّ .
والضمير للسماء على المعنى، أو مبهم . و«سبع سماوات» حال على الأوّل، وتميز على الثاني.
«فِي يَوْمَيْنِ»۲ . قيل : خُلِق السماوات في يوم الخميس، والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة . انتهى . ۳
إذا عرفت هذا، فنقول : مدلول هذا الخبر ينافي ظاهر الآية من جهتين :
الاُولى : أنّ ظاهرها أنّ خلق أقوات الأرض وتقديرها كان في يومين . وهذا الخبر يدلّ على أنّه خلق أقوات الأرض في يوم، وأقوات السماء في يوم .

1.فصّلت (۴۱) : ۹ و ۱۰ .

2.فصّلت (۴۱) : ۱۱ و ۱۲ .

3.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۱۰۷ - ۱۰۹ (مع التلخيص) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 179442
صفحه از 624
پرینت  ارسال به