الثانية : أنّ ظاهر الآية يدلّ على تقدّم يومي خلق الأقوات على يومي خلق السماوات . والخبر يدلّ على تأخّر أحد يومي خلق الأقوات عنهما .
وقال بعض المحقّقين :
يمكن أن يجاب عن الاُولى : بأنّ المراد بخلق أقوات السماء خلق أسباب أقوات أهل الأرض، الكائنة في السماء من المطر والثلج، والألواح التي يقدّر فيها الأقوات، والملائكة الموكّلين بها .
ويؤيّده أن ليس لأهل السماء قوت وطعام وشراب ؛ ففي يوم واحد قدّر الأسباب الأرضيّة لأقوات أهل الأرض ، وفي يوم آخر قدّر الأسباب السماويّة لها .
وفي الآية نسبهما إلى الأرض؛ لكونهما لأهلها . وفي الخبر فصّل ذلك لبيان اختلاف موضع التقديرين .
وعن الثانية بنحو ما ذكره البيضاوي بأن لا تكون لفظة «ثمّ» للترتيب والتراخي في المدّة .
ثمّ قال :
ومن غرائب ما سنح لي أنّي لمّا كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت، فرأيت فيما يرى النائم أنّي أتفكّر في هذه الآية، فخطر ببالي في تلك الحالة أنّه يحتمل أن يكون المراد بأربعة أيّام تمامها، لا تتمّتها، ويكون خلق السماوات أيضا من جملة تقرير أرزاق أهل الأرض؛ فإنّها من جملة الأسباب، ومحالّ بعض الأسباب كالملائكة العاملة، والألواح المنقوشة، والشمس والقمر والنجوم المؤثّرة بكيفيّاتها، كالحرارة والبرودة في الثمار والنباتات .
وتكون لفظة «ثمّ» في قوله تعالى : «ثُمَّ اسْتَوى» للترتيب في الإخبار لتفصيل ذلك الإجمال بأنّ يومين من تلك الأيّام الأربعة كانا مصروفين في خلق السماوات، والآخرين في خلق سائر الأسباب . وبه يندفع الإشكالان . انتهى . ۱
ثمّ اعلم أنّه يستفاد من هذا الخبر من الآيات الدالّة على خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام أنّ الزمان ليس مقدار حركة الفلك ـ على ما زعمت الفلاسفة ـ وإلّا فلا معنى للتقدير بالأيّام قبل وجود الفلك.