519
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

هؤلاء الأحياء لعدم اتّعاظهم بموتهم وعدم مبالاتهم ، كأنّهم ذهبوا إلى سَفَرٍ، وعن قريب يرجعون إليهم .
قال : ويؤيّده ما في النهج وتفسير عليّ بن إبراهيم: «وكأنّ الذي نرى من الأموات سَفْر عمّا قليل إلينا راجعون» ۱ . ۲
(بيوتهم أجداثهم) ؛ جمع الجدث ـ محرّكة ـ وهو القبر .
(ويأكلون تُراثهم) .
التُّراث، بالضمّ: الميراث، وهو ما يخلفه الإنسان لورثته ، وأصله: وُراث، قُلبت الواو تاءً؛ أي يرون هؤلاء الأحياء أنّ الأموات بيوتهم قبورهم، ومع ذلك يأكلون تراثهم، ولا يتّعظون بحالهم .
(فيظنّون [أنّهم] مخلّدون بعدهم) في الدُّنيا .
وفي بعض النسخ : «يبوّؤونهم» بدل «بيوتهم»، وهو أظهر .
وقال بعض الأفاضل : «الظاهر أنّه وقع في نسخ الكتاب تصحيف . والأظهر ما في النهج: نبوّءهُم أجداثهم، ونأكل تُراثَهم» . ۳
وأقول : في وجه الأظهريّة خفاء .
وقوله : (عاقبة سوء) ؛ بضمّ السين والإضافة .
وقوله : (فادحة) بالفاء؛ أي بليّة يثقل حملها . يُقال : فدحه الدين ـ كمنع ـ أي أثقله . وفوادح الدهر: خطوبه . والفادح: المثقل الصعب . والفادحة: النازلة .
(وبوائقَ حادثة) ؛ عطف على «نزول»، أو «فادحة».
وما قيل من أنّ الظاهر الأوّل؛ لأنّ ذكر الحادثة يتأبّى عن الثاني، ففيه ما فيه .
والبائقة: الداهية، وهي الأمر العظيم الشديد .
وقوله : (زهد فيما أحلّ اللّه له) .
في القاموس : «زهد فيه ـ كمنع وسمع وكرم ـ ضدّ رغب» ۴ ؛ يعني أنّه لم يرغب في

1.نهج البلاغة ، ص ۴۹۰ ، الكلام ۱۲۲ ؛ تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۷۰ .

2.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۴۲ .

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۲۹۸ (زهد) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
518

وقوله : (كأنّ الموت في هذه الدُّنيا على غيرهم كُتب) ؛ لكون أفعالهم وأحوالهم شبيهة بمن يظنّ ذلك .
قال الجوهري : «الكتاب معروف. وقد كتبت كتبا وكتابا وكتابة . والكتاب: الفرض، والحكم، والقَدَر» . ۱
وقوله : (وكأنّ الحقّ) ؛ أعمّ من حقوق اللّه وحقوق الناس، وتخصيصه بالموت أيضا احتمال .
وقوله : (كأن لم يسمعوا ويروا) أي لم يروا، وكأنّ السماع بالنسبة إلى الغائبين من الأموات، والرؤية بالنسبة إلى الحاضرين منهم . أو برؤية آثارهم وقبورهم .
(من خبر الأموات قبلهم) .
في القاموس : «قبل: نقيض بعد . والقُبُل ـ بالضمّ وبضمّتين ـ نقيض الدبر . ومن الزمن: أوّله . ورأيته قَبَلاً ـ محرّكة، وبضمّتين، وكصرد وعنَب ـ : عيانا ومقابلةً. ولي قِبَلَهُ حقّ، بكسر القاف ؛ أي عنده». ۲
ولك تطبيق عبارة الخبر بكلّ من تلك المعاني، وإن كان الأوّل أظهر .
(سبيلهم سبيل قوم سَفْر) .
قال صاحب النهاية : «السفر: جمع سافر، كصاحب، وصَحب» . ۳
وقال الجوهري : «إنّ السَّفْر قطع المسافة. سَفَرَ يسفر: خرج إلى السفر، فهو مسافر، وهم سَفْر وسفار» انتهى . ۴
ويفهم من كلام الجوهري أنّ السَفْر اسم جمع للمسافر ، والظاهر ضمير «سبيلهم» راجع إلى الأحياء، وضمير «إليهم» في قوله : (عمّا قليل إليهم راجعون) إلى الأموات ؛ يعني أنّ هؤلاء الأحياء يشبه حالهم في منازل أعمارهم من الشهور والسنين بمن يسافر من بلد إلى بلد، حتّى يلحقوا بمن قبلهم من الأموات .
وقيل : يحتمل العكس في إرجاع الضميرين ، فالمراد أنّ سبيل هؤلاء الأموات عند

1.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۰۸ (كتب) .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۳ و ۳۴ (قبل) مع التلخيص .

3.النهاية ، ج ۲ ، ص ۳۷۱ (سفر) .

4.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۸۵ (سفر) .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 159844
صفحه از 624
پرینت  ارسال به