535
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقد يفرّق بينهما بأنّ المراد بالأوّل خبر أسمائهم وصفاتهم وأفعالهم ، وبالثاني أثر مساكنهم وأموالهم وقبورهم .
ولعلّ المراد بالأكثر الجميع، كما هو الشائع .
وقيل : التقييد بالأكثر؛ لبقاء خبر بعضهم وأثره بعدُ في الجملة . ۱
وقوله : (بعثهم) أي إرسالهم وانتقالهم إلى الآخرة بسبب الموت .
(فأصبحتم حلولاً في ديارهم، ظاعنين على آثارهم) .
أصبح الرجل؛ أي دخل في الصباح. وأصبح فلان عالما؛ أي صار .
والحلول ـ بالضمّ ـ جمع الحالّ، كشهود وشاهد .
والدِّيار جمع الدار . والمراد هنا ما يعمّ مساكنهم ومقابرهم .
والظعن، بالسكون والتحريك: السير، وفعله كمنع .
وقيل: في جعل «ظاعنين» حالاً من «أصبحتم» دلالة على اتّحاد زمان الحلول والارتحال مبالغة، وفيه تحريك للنفوس العاقلة إلى الاستعداد للارتحال، وتجهيز سفر الآخرة . انتهى . ۲
أقول : بناء هذا التوجيه على أنّ المراد بالظعن الارتحال من الدُّنيا إلى الآخرة، وبالأثر العقب، وهو خلاف الظاهر ، بل الظاهر المتبادر سائرين في مساكنهم ومواضع آثارهم .
(والمَطايا بكم تسير سيرا) .
قال الجوهري : «سارت الدابّة، وسارها صاحبها، يتعدّى ولا يتعدّى» . ۳
والظرف متعلّق بالسير . والباء للتعدية، أو للتقوية .
والمطايا: جمع المطيّة، وهي دابّة تمطو وتجدّ في سيرها . ولعلّ المراد بها الليل والنهار، بقرينة ما سيأتي من قوله : (نهاركم بأنفسكم دؤوب) إلى آخره .
أو الأعمار على سبيل الاستعارة. وتأكيد الفعل بالمصدر؛ للدلالة على سرعته وشدّته ، كما أشار إليه بقوله : (ما فيه أين، ولا تفتير) .
كلمة «ما» نافية .

1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۹۸ .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۹۸ و ۱۹۹ .

3.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۹۱ (سير) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
534

وقال الجوهري :
ركن إليه يركُن بالضمّ . وحكى أبو زيد: رَكَنَ إليه ـ بالكسر ـ يَركن ركونا فيهما؛ أي مالَ إليه، وسكن . وأمّا ما حكى أبو عمرو: ركن يركن ـ بالفتح فيهما ـ فإنّما هو على الجمع بين اللغتين . ۱
(فما استعدّوا) أي لتهيئة أسباب الآخرة .
وقوله : (أُخِذَ بكظمهم) ؛ كناية عن موتهم .
في القاموس : «الكظم، محرّكة: الحلق، أو الفم، أو مخرج النفس» . ۲
وقال في النهاية : «جمعه: كِظام» . ۳
(وخلصوا) أي وصلوا .
(إلى دار قوم جفّت أقلامهم) .
هذا الكلام كاد أن يجري مجرى الأمثال في إتمام الأمر وانقضائه، والأمر الماضي المحتوم الذي لا يغيّر ولا يبدّل .
وقيل : هو كناية عن امتناع التلاقي .
وقيل : «جفّت أقلامهم» أي سكنت قواهم عن الحركات، كالكتابة حين جفّت أقلامهم التي كانوا يكتبون بها، أو جفّت أقلام الناس من كتابة آثارهم؛ لبُعد عهدهم ومحو ذكرهم . أو جفّت أقلام أهل السماوات من تقدير اُمورهم المتعلّقة بحياتهم . ۴
وقيل : المراد بالأقلام أقلام كرام الكاتبين، والإضافة لأدنى ملابسة . وجفافها كناية عن انقطاع عملهم .
قال : ويحتمل أن يكون كناية عن جريان ما كتب في اللوح المحفوظ من مقادير أحوالهم، تمثيلاً لفراغ الكاتب من كتابته، ويُبس قلمه . ۵
(لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر) .
الخبر، محرّكة: البناء . والأثر، محرّكة أيضا: بقيّة الشيء، والخَبَر .

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۴۸ .

2.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۱۲۶ (ركن) مع التلخيص .

3.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۹ (كظم) .

4.النهاية ، ج ۴ ، ص ۱۷۸ (كظم) .

5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۹۸ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181963
صفحه از 624
پرینت  ارسال به