وقد يفرّق بينهما بأنّ المراد بالأوّل خبر أسمائهم وصفاتهم وأفعالهم ، وبالثاني أثر مساكنهم وأموالهم وقبورهم .
ولعلّ المراد بالأكثر الجميع، كما هو الشائع .
وقيل : التقييد بالأكثر؛ لبقاء خبر بعضهم وأثره بعدُ في الجملة . ۱
وقوله : (بعثهم) أي إرسالهم وانتقالهم إلى الآخرة بسبب الموت .
(فأصبحتم حلولاً في ديارهم، ظاعنين على آثارهم) .
أصبح الرجل؛ أي دخل في الصباح. وأصبح فلان عالما؛ أي صار .
والحلول ـ بالضمّ ـ جمع الحالّ، كشهود وشاهد .
والدِّيار جمع الدار . والمراد هنا ما يعمّ مساكنهم ومقابرهم .
والظعن، بالسكون والتحريك: السير، وفعله كمنع .
وقيل: في جعل «ظاعنين» حالاً من «أصبحتم» دلالة على اتّحاد زمان الحلول والارتحال مبالغة، وفيه تحريك للنفوس العاقلة إلى الاستعداد للارتحال، وتجهيز سفر الآخرة . انتهى . ۲
أقول : بناء هذا التوجيه على أنّ المراد بالظعن الارتحال من الدُّنيا إلى الآخرة، وبالأثر العقب، وهو خلاف الظاهر ، بل الظاهر المتبادر سائرين في مساكنهم ومواضع آثارهم .
(والمَطايا بكم تسير سيرا) .
قال الجوهري : «سارت الدابّة، وسارها صاحبها، يتعدّى ولا يتعدّى» . ۳
والظرف متعلّق بالسير . والباء للتعدية، أو للتقوية .
والمطايا: جمع المطيّة، وهي دابّة تمطو وتجدّ في سيرها . ولعلّ المراد بها الليل والنهار، بقرينة ما سيأتي من قوله : (نهاركم بأنفسكم دؤوب) إلى آخره .
أو الأعمار على سبيل الاستعارة. وتأكيد الفعل بالمصدر؛ للدلالة على سرعته وشدّته ، كما أشار إليه بقوله : (ما فيه أين، ولا تفتير) .
كلمة «ما» نافية .
1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۹۸ .
2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۹۸ و ۱۹۹ .
3.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۹۱ (سير) .