539
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

فيها، وحفظهم لأعمال أهلها.
والرابع: أن يكون المراد بالمطايا الأعمار ؛ أي تمضي بكم مطاياه مع أعمالكم . ۱
ولا يخفى بُعد تلك التوجيهات وضعفها . والأظهر ما [قيل] من أنّ إضافة مطايا إلى ضمير الموت من قبيل «لجين الماء»، أو فيه مكنيّة وتخييليّة بتشبيه الموت بالرسول الذي يبلغ خبر الغائب ، وإثبات المطايا له، وإمضاء الإخبار ترشيح، وإسناده إلى المطايا مجاز من باب إسناد فعل الحال إلى المحلّ، كأنّ الموت يخبر أهل الثواب وأهل العقاب بخبره ووصوله .
والمراد بدار الثواب ودار العقاب إمّا القيامة الكبرى، أو الصغرى، وهي البرزخ؛ فإنّ كلّ من كان فيه يعلم بعد موته أنّه من أهل الثواب، أو من أهل العقاب . ۲
وقوله : (راقب ربّه) .
قال الجوهري : «الرقيب: الحافظ . والرقيب: المنتظر. وراقب اللّه في أمره؛ أي خافه» انتهى . ۳
وقيل : مراقبته تعالى بأن يخلّي الظاهر والباطن عن الرذائل، ويحلّيهما بالفضائل، وينظر إلى جميع حركاته وسكناته ولحظاته، فإن كانت إلهيّة بادر إليها، وإن كانت شيطانيّة تعجّل إلى دفعها ، وسبب تلك المراقبة هو العلم بأنّه تعالى مطّلع على السرائر والضمائر . ۴
(وتنكّب ذنبه) .
في الصحاح : «تنكّبه؛ أي تجنّبه» . ۵
(وكابر هواه) أي قاتلها، وعاندها، وخالفها .
وفي بعض النسخ: «كابد هواه». المكابدة: الممارسة، والمقاساة . والمراد هنا تحمّل المشاقّ على ترك الهوى .
(وكذّب مناه) ؛ بفتح الميم، وهو القدر، والقصد؛ أي يكذّب ما يقدّره في نفسه، أو يقصده من الأباطيل.

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۵۰ .

2.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۲۰۰ .

3.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۱۳۷ (رقب) مع تلخيص .

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۲۰۰ .

5.الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۲۸ (نكب) .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
538

والحمل على المبالغة .
(تنتضل فيكم مناياه) .
يُقال : انتضل القوم، وتناضلوا؛ أي راموا للسبق .
والمنايا: جمع المنيّة، وهي الموت . والظاهر أنّ ضمير «مناياه» راجع إلى الموت، بأن يُراد بالمنايا أسبابه من الأمراض والبلايا، اُطلق عليها مجازا تسميةً للسبب باسم المسبّب .
وقيل : لعلّ الضمير راجع إلى الدُّنيا، بتأويل الدهر، أو لتشبيهها بالرجل الرامي؛ أي ترمى إليكم المنايا في الدّنيا سهامها فتهلككم ، وسهامها هي الأمراض والبلايا الموجبة للموت .
قال : ويحتمل أن يكون فاعل «تنتضل» الضمير الراجع إلى الدُّنيا، ويكون المرمي المنايا . ۱
وفي بعض النسخ: «تنتصل» بالصاد المهملة .
في القاموس : «نصل فيه السهم: ثبت. ونَصَلته أنا، وانتصل: خرج نصلُه» . ۲
وفي نهج البلاغة في كلام له عليه السلام : «إنّما أنتم في هذه الدُّنيا غرض تنتضل فيه المنايا» . ۳
وعلى أيّ تقدير في المنيّة تشبيه بالرامي مكنيّة، وإثبات الانتضال تخييليّة، وجعل الإنسان غرضا مكنيّة اُخرى، وإثبات الانتضال والمنتضل له ترشيح .
(وتَمضي بأخباركم) إلى قوله : (والحساب) .
قيل : الأخبار: الأعمال . ويمكن توجيهه بوجوه :
الأوّل : أن يكون المراد بالمطايا الأشخاص التي ماتوا قبلهم ومضيّهم بأخبار هؤلاء؛ لأنّهم إن أحسنوا إليهم أو أساؤوا، يذكرون عند محاسبة هؤلاء الموتى ومجازاتهم إمّا بالخير أو بالشرّ .
والثاني : أن يكون المراد بالمطايا عين تلك الأشخاص المخاطبين ومن بحكمهم؛ أي أنتم مطايا الدُّنيا، قد حملت عليكم أعمالكم، وتسيّركم إلى دار الثواب والعقاب .
والثالث : أن يكون المراد بالمطايا حفظة الأعمال، ونسبتهم إلى الدنيا لكون أعمالهم

1.القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۶ ، ص ۴۹ و ۵۰ .

2.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۵۷ (نصل) مع اختلاف يسير في الألفاظ .

3.نهج البلاغة ، ص ۲۰۲ ، الكلام ۱۴۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 159862
صفحه از 624
پرینت  ارسال به